وأخذوا يستخدمون مواد جديدة-كالبلور، والعقيق الأبيض، والياقوت، والزجاج، والبازلت القاتم اللون، والرخام الأسود، والرحام السماقي ليقلدوا لون الزنوج، أو وجوه الساترات المتوردة التي تزيد الخمر بريقاً.
وكان خصب اختراعهم يضارع سيطرتهم الفنية؛ ذلك أنهم قد ملوا تكرار الأنماط القديمة، وكأنهم عرفوا مقدماً ما يعيبه رسكن على الفنانين (١)، فاعتزموا أن يظهروا في صورهم ما للأشخاص والأشياء من وجود حقيقي ومن خواص فردية. ولم يعودوا يقتصرون على تمثيل ما هو كامل وجميل، كالرياضيين والأبطال، والآلهة، بل أخذوا يخرجون صوراً من الحياة الريفية المألوفة، أو تماثيل من الآجر للصناع، وصائدي السمك، والموسيقيين، والبائعين والمشترين في الأسواق، ومدربي الخيول، والخصيان. وبحثوا عن موضوعات غير مطروقة في الأطفال والفلاحين، وفي شخصيات ممتازة كسقراط، وفي رجال شيوخ حاقدين كدمستين، وفي وجوه قوية تكاد تكون وحشية كوجه يوثدموس Euthydemus الملك البكتري اليوناني، وفي أماكن مهجورة منبوذة كتمثال امرأة السوق العجوز المحفوظ في متحف نيويورك. وقد أدركوا وأحبوا تنوع مظاهر الحياة وتعقدها. ولم يترددوا في أن يكونوا في تماثيلهم وتصويرهم شهوانيين؛ فلم يكونوا آباء يحرصون على عفة بناتهم، أو فلاسفة تقض مضاجعهم ما تؤدي إليه النزعة الفردية الأبيقورية من عواقب اجتماعية خطيرة؛ بل كانوا يشاهدون مفاتن الجسم، وينحتونها، ويبرزون الجمال الذي يستطيع أن يسخر إلى حين من الزمن وما يحدثه فيه من آثار. ولقد تحرر
(١) ليست هناك صفة شخصية في الفن اليوناني-بل فيه آراء مجردة عن الشباب، والشيخوخة، والقوة، والسرعة، والفضيلة، والرذيلة-؛ ولكنه خال أيضاً من الفردية. إن رسكن لم يكن يفكر إلا في الفن اليوناني في القرنين الخامس والرابع؛ كما أن ونكلمان ولسنج كانا يعرفان بنوع خاص فن العصر الهلنستي.