جنوباً وأسسوا دسيآركيا Dicaearchia - وهي التي أصبحت فيما بعد ثغر بتيولي Puteoli (بتسيولي Pozzuoli) الروماني - ونيبوليس Neapolis أو المدينة الجديدة وهي مدينة نابلي الحالية. ومن هذه المستعمرات انتقلت الأفكار اليونانية كما انتقلت المتاجر اليونانية إلى مدينة رومة الناشئة التي لم يكن لها وقتئذ شأن كبير بين المدن، كما انتقلت شمالاً إلى إتروريا. واختار الرومان من كومية عدداً من الآلهة اليونانية - وبخاصة أبلو، وهرقليز، وابتاعوا الملفات التي تنبأت فيها سيبيل الكومية - كاهنة أبلو العجوز - بمستقبل رومة بأكثر مما تستحقه من الثمن.
وقبل أوائل القرن السادس بقليل نزل فوقِيُّو أيونيا على سواحل فرنسا الجنوبية وأسسوا مساليا (مرسيليا)، ونقلوا غلات بلاد اليونان في نهر الرون وروافده حتى أرليس Arles ونميز Nimes. واتخذوا من الأهلين أصدقاءً وأزواجاً، وأدخلوا زراعة الزيتون والكروم هدية منهم إلى فرنسا، كما أدخلوا الحضارة اليونانية إلى غالة الجنوبية، ونشروها بين ربوعنا إلى حد يسر لرومة فيما بعد أن تنشر فيها هي الأخرى في أيام قيصر حضارتها الوثيقة الصلة بالحضارة اليونانية. وأسس الفوقيون في اتجاه الشرق على طول الساحل مدن أنتبوليس Antipolis (أنثيب Antipes الحديثة)، ونيسية Nicaea (نيس الحالية) ومنوكوس Monoecus (موناكو). أما في الغرب فقد وصلوا إلى أسبانيا وأسسوا مدينة رودية Rhodae (ورساس Rosas) وإمبوريوم (أمبورياس) وهمروسكوبيوم Hemoroscopium وميناكا Maenaca بالقرب من مالقة Malaga؛ وأثرى اليونان في أسبانيا وقتاً ما باستغلالهم مناجم الفضة في تارتسوس Tartessus؛ ولكن القرطاجيين والإتروريين تألبوا عليهم في عام ٥٣٥ ودمروا الأسطول الفوقي، ومن ذلك الوقت أخذت قوة اليونان في غرب البحر المتوسط تتضاءل ولم تقم لهم فيه بعدئذ قائمة.