هيكلاً أصغر من هذا الهيكل شبيهاً به في بساطته وقوته الدوريتين. ونحن نسميه "هيكل سيريز Ceres" ولكنا لا نعرف أي الآلهة كان يشم رائحة قرابينه. وشاد جيل بعد هذا الجيل أيضاً؛ قبيل الحرب الفارسية أو بعدها (٥٥)؛ أعظم الهياكل الثلاثة وأحسنها تناسباً؛ وأكبر الظن أنه شيد لبوسيدن أيضاً - وهو من أجدر الهياكل بهذا الإله لأن في وسع الإنسان أن يطل من أروقته على صفحة البحر الغدار الذي يغري المطل عليه بركوبه. وأينما ولى الإنسان وجهه في هذا الهيكل رأى عمداً: ففي الخارج رواق دوري قوي كامل البناء، وفي الداخل رواق من العمد ذو طابقين كان يحمل أعلاها فيما مضى سقفاً. وذلك منظر من أعظم المناظر الإيطالية تأثيراً في النفس؛ ولا يكاد الإنسان يصدق أن هذا الهيكل الذي احتفظ بكيانه أحسن مما احتفظ به أي هيكل شاده الرومان، كان من عمل اليونان قبل ميلاد المسيح بخمسة قرون لا تكاد تنقص شيئاً. وفي وسعنا أن نستدل منه على ما كان للأقوام الذين شادوا أمثال هذا المركز لحياتهم الدينية من حيوية وولع بالجمال، وما كانوا يستمتعون به من موارد ثراء ومن حسن ذوق. وفي وسعنا أن نتصور من بعد هذا صورة واضحة جلية لما كانت عليه المدن الكبرى مثل ميليتس، وساموس، وإفسوس، وكروتونا، وسيباريس وسرقوسة من أبهة وثراء.
وعلى مسافة قليلة من الموضع الذي تقوم عليه نابلي الحديثة، وإلى شماليها، أقام بعض المغامرين من كلوسيس، وإرتريا، وكيمي Cyme العوبية، وجرايا Graia، حوالى عام ٧٥٠ ثغر كومية أقدم المدائن اليونانية في غرب بلادهم، وسرعان ما أثرت كومية من استيرادها غلات بلاد اليونان الشرقية وبيعها في أواسط إيطاليا، وأعانها ذلك على استعمار جيوم والسيطرة عليها، كما سيطرت على مضيق مسينا وحرمت عبوره على سفن المدائن التي لم تعقد معها حلفاً تجارياً أو سمحت لها بالمرور بعد أداء رسوم باهظة فرضتها عليها (٥٦). وانتشر الكوميون