الغابات. وقد كشف في خطاب أرسله إلى صاحبة الفضل عليه، مدام ديينيه، (وكانت في باريس) عن خلقه بصراحة ونفاد صبر. قال:
"أريد أن يكون أصدقائي أصدقاء لا سادة عليّ؛ أريد أن ينصحوني لا أن يحاولوا التسلق علىّ؛ وأن يكون لهم كل المطالب على قلبي دون مطلب واحد يقيد حريتي. إني لأراها غريب تلك الطريقة التي يتدخل بها الناس باسم الصداقة في شؤوني دون أن يطلعوني على شؤونهم … وحرصهم الشديد على أن يؤدوا لي ألف خدمة يرهقني، ففيه لمسة من الاستعلاء تضنيني؛ ثم إن كل إنسان في وسعه أن يفعل مثل ما يفعلون … "
وإني لتوحدي وانعزالي على الناس أشد حساسية من غيري. فلو فرضنا أنني تشاجرت مع إنسان يعيش وسط الزحام، فإنه يفكر في الأمر لحظة ثم تنسيه إياه عشرات الشواغل بقية النهار. أما أنا فلا يصرف أفكاري عنه شيء ولا أفتأ أقلبه في ذهني طوال الليل وأنا مؤرق، وأفكر فيه وأنا أتمشى وحدي من شروق الشمس إلى غروبها، وقلبي لا يهدأ لحظة واحدة، وإساءة من صديق كفيلة بأن تجعلني أعاني في يوم واحد سنوات من الحزن. وإن لي أنا العليل حقا في التسامح الواجب من أخوتي البشر نحو هفوات رجل مريض وغضباته … وأنا فقير، وفقري يخول لي بعض الرعاية (أو كذلك يخيل إلي)".
"لا يدهشك إذن إن أنا أبغضت باريس أكثر فأكثر. ليس لي شيء أنشده من باريس سوى رسائلك. ولن يراني أحد هناك ثانية أبداً. وإذا شئت أن تنبئني بآرائك حول هذا الموضوع، وبكل ما تبغين من قوة وعنف، فلك الحق في ذلك. فستلقي مني قبولاً حسناً، وستكون-عديمة الجدوى" (٧).
وقد أجابته بما يكفي من العنف فقالت "أوه، دع هذه الشكاوى التافهة لمن خلت قلوبهم ورؤوسهم (٨). ولكنها استفسرت مراراً عن صحته وراحته، واشترت له حاجياته، وأرسلت له الهدايا الصغيرة.
"ذات يوم والحرارة بلغت من التجمد درجة قصوى، وجدت وأنا أفتح طرداً به عدة أشياء طلبت إليها أن تبتاعها لي جونلة داخلية من الفانيلا الإنجليزية