قالت إنها كانت تلبسها، ورغبت إلي في أن ألبسها صدرية داخلية، ورأيت في هذه الرعاية البالغة الود حناناً شديداً-وكأنها تعرت لتكسوني-حتى رحت في انفعالي أقبل الخطاب والجونلة جميعاً غير مرة وأنا أذرف الدمع. وخالتني تريز قد جننت (٩)".
وخلال عامه الأول في الإيرميتاج صنف "قاموس الموسيقى" ولخص بلغته المجلدات التي ألفها الأبيه دسان-بيير عن الحرب، والسلام، والتعليم، والإصلاح السياسي. وفي صيف ١٧٥٦ تلقى من المؤلف نسخة من قصيدة فولتير في الزلزال الذي أهلك خمسة عشر ألف شخص، وجرح خمسة عشر ألف آخرين في لشبونة في عيد جميع القديسين أول نوفمبر ١٧٥٥، وقد تساءل فولتير كما تساءل نصف العالم لم اختارت العناية، المفترض فيها أنها خيرة، لهذه المذبحة العمياء عاصمة قطر كله كاثوليكي، وساعة-٩. ٤٠ صباحاً-كل الأتقياء يصلون فيها في الكنيسة. وفي نغمة من التشاؤم المطلق رسم فولتير صورة للحياة والطبيعة محايدتين حياداً قاسياً بين الشر والخير. وفي الفقرة التالية من الاعترافات نقرأ رد فعل روسو لهذه القصيدة القوية:
"حين أدهشني أن أرى هذا المسكين، الغارق (إن جاز القول) في أسباب الثراء والتشريف، يشكو بمرارة أرزاء هذه الحياة، ويجد كل شيء خطأ، فكرت في مشروع جنوني هو أن أجبره على تحويل اهتمامه إلى نفسه، وعلى إثبات أن كل شيء صواب. إن فولتير وهو يبدو مؤمناً بالله لم يؤمن قط في الواقع بشيء غير الشيطان، لأنه إلهه المزعوم كائن خبيث لا يلتذ إلا بالشر، كما يقول. وسخف هذه القصيدة الصارخ يثير أشد التقزز من رجل ينعم بثراء فاحش، رجل يحاول من حضن السعادة أن يشيع اليأس في قلوب أخوته البشر بما يصور من صورة رهيبة قاسية لكل الكوارث التي أعفي منها، أما أنا الذي يحق لي أكثر منه أن أعدد وأزن كل شرور الحياة البشرية، فقد فحصتها في غير تحيز، وأثبت له أنه ما من شر من جميع الشرور الممكنة يجب أن ننسبه للعناية، وألا نرده بالأحرى إلى إساءة استعمال الإنسان لقدراته لا إلى الطبيعة" (١٠).