وعليه في ١٨ أغسطس ١٧٥٦ أرسل روسو إلى فولتير "رسالة في العناية الإلهية من خمس وعشرين صفحة، بدأها بإقرار لطيف بفضل فولتير. قال:
"جاءتني قصائدك الأخيرة يا سيدي في عزلتي، ومع أن جميع أصدقائي يعرفون محبتي لكتاباتك، فلست أدري من كان ممكناً أن يرسل لي هذا الكتاب سواك. فقد وجدت المتعة والفائدة جميعاً، وتبينت فيه يد الأستاذ … ولزام علي أن أشكرك على المجلد وعلى صنيعك" (١١).
ثم ناشد فولتير ألا يلوم العناية الإلهية على مصائب البشر. فمعظم الشرور راجع لحماقتنا، أو خطيئتنا، أو إجرامنا:
"لاحظ أن الطبيعة لم تحشد عشرين ألف بيت من ستة طوابق أو سبعة، وأنه لو كان سكان تلك المدينة الكبرى موزعين توزيعاً أكثر توازناً في مساكن أقل تكاثفاً، لكانت الخسارة أقل كثيراً، أو ربما انعدمت، ولكان كل أهلها قد هربوا نعد أول هزة، ولرأيناهم في الغد على بعد عشرين فرسخاً، مرحين كأن شيئاً لم يصبهم" (١٢).
وكان فولتير قد كتب أ، قلة من الناس من يودون أن يولدوا من جديد في نفس الظروف؛ فرد روسو بأن هذا لا يصدق إلا على الأثرياء الذين أتخموا باللذات، وملوا الحياة، وأعوزهم الإيمان؛ أو على الأدباء القاعدين، غير الأصحاء، الغارقين في تأملاتهم، الساخطين؛ ولكنه لا يصدق على بسطاء الناس كالطبقة الوسطى الفرنسية أو القرويين السويسريين. والذي يجعل من الحياة معضلة لنا هو إساءة استعمالها (١٣). ثم إن شر الجزء قد يكون خير الكل؛ فموت الفرد يتيح الحياة المتجددة للنوع. والعناية الإلهية عامة لا خاصة؛ فهي تسهر على الكل، ولكنها تترك أحداثاً نوعية للأسباب الثانوية والقوانين الطبيعية (١٤). وقد يكون الموت المبكر نعمة كذلك الذي أصاب أطفال لشبونة، وهو على أية حال غير ذي بال ما دام هناك إله، لأنه تعالى سيكافئ الجميع على ما أصابهم من معاناة لا يستحقونها (١٥). ومسألة وجود الله تجاوز