نزقاً يتفجر غضباً، ولكن "لا يمكن أن تتصور أبداً مبلغ ما في قلب هذا الرجل من طيبة كما كتب عنه زائر آخر"(١٢٦).
وإذ ذاع صيت العون الذي يسديه للمضطهدين في أوربا، وانتشرت الأنباء في فرنسا عن بره وإحساناته المستورة، تشكلت صورة جديدة لفولتير في ذهن الجماهير. فلم يعد عدو المسيح، ولا المحارب لدين يحبه الفقراء؛ بل أصبح منقذ آل كالاس، وسيد فرنيه الطيب، والمدافع عن عشرات من ضحايا العقائد المتزمتة والقوانين الظالمة. وقال قساوسة جنيف إنهم حائرون في موقفه وإياه في يوم الحساب، فهل إيمانهم بعدل أعمال هذا الزنديق (١٢٧). وغفر له المثقفون رجالاً ونساءً زندقته، ومشاجراته، وغروره، لا بل خبثه، ورأوه يتحول من الخصومة إلى السماحة، فنظروا إليه الآن نظرتهم إلى الأب الجليل للآداب الفرنسية، وفخر فرنسا أمام العالم المثقف. ذلك هو الرجل الذي رحبت حتى جماهير العامة بمقدمه حين جاء إلى باريس ليموت.