الريفية وعزلتها من صعاب، كما يعرفون ما فيها من هدوء وجمال. وما من شك في أن إسكندرية البطالمة كانت حارة متربة كإسكندرية هذه الأيام، ولهذا فإن من كان يقيم فيها من اليونان كانوا يعودون بذاكرتهم إلى تلال بلادهم الأصلية وحقولها، ويتخيلون هذه التلال والحقول المثل الأعلى في جمال المنظر؛ فكانت المدينة العظيمة والحالة هذه هي المكان الموحي بالشعر الرعوي. وأقبل عليها حوالي عام ٢٧٦ شاب جريء يحمل ذلك الاسم الظريف وهو ثاوقريطوس. وكان قد بدأ حياته في صقلية، وقضى بعدئذ جزءاً منها في كوس، ثم عاد إلى سرقوسة يسعى إلى رفد هيرون الثاني، ولكنه لم يوفق؛ غير أنه لم ينسَ قط جمال صقلية، وجبالها وأزهارها، وسواحلها وخلجانها، فلما انتقل بعدئذ إلى الإسكندرية أنشأ قصيدة في مدح بطليموس الثاني نال عليها رضاء البلاط وهو رضاء قصير الأجل. ويبدو أنه ظل بضع سنين يعيش بين رجال البلاط والعلماء، بينما كانت الصور الجميلة التي يرسمها لحياة الجبال تحببه إلى سوفسطائي العاصمة. وتصف قصيدة بركسنووا Praxinoa ما يلقاه الإنسان في شوارع الإسكندرية المزدحمة من هول وفزع:
رباه: ما أكثر أولئك الغوغاء! ليس في وسعي أن أتصور
كيف نستطيع أن نشق طريقنا، أو كم من الزمن يلزمنا لكي نشقه فيها؛
إن عش النمل لا يعد شيئاً إلى جانب هذا الهرج والمرج …
أي جرجون Gorgon، يا عزيزي، أنظر! -ماذا في مقدورنا أن نفعل؟
أولئك هم فرسان الملك! لا تطؤونا بسنابك خيولكم!
أونوا Eunoa، تنحى عن طريقهم!
وكيف يستطيع رجل له نفس شاعر وذكريات صقلية أن يكون سعيداً في هذه البيئة؟ لقد كان يمدح الملك لكي يستطيع العيش، ولكنه كان يغذي رومة بما في مخيلته من صور جزيرته الأصلية، ولعله كان يغذيها أيضاً بصور جزيرة كوس؛ وكان يحسد الراعي على حياته البسيطة ويتخيله وهو يخطو وراء قطعانه