الهادئة الوديعة فوق منحدرات التلال المعشوشبة المطلة على البحار المشمسة. وقد أتم وهو في هذه الحالة نشيد الرعاة-الإيدليون Eidyllion أو الصورة الصغيرة-ووصه ذلك الوصف الذي لا يزال محتفظاً به إلى الآن، وهو نقش ريفي أو قصة شعرية. وليس في الاثنتين والثلاثين مقطوعة التي وصلت إلينا من أشعار ثاوقريطوس إلا عشرة أناشيد رعوية، ولكن هذه الأناشيد العشرة قد طبعت ذلك الاسم الذي يشملها جميعاً بطابع نصف ريفي. وبهذه الأناشيد يدخل وصف الطبيعة آخر الأمر في الأدب اليوناني، وهو لا يدخله دخول الإلهة فحسب، بل يدخله كذلك دخول معالم الأرض الحية المحببة إلى النفوس. ولم ينقل الأدب اليوناني قبل ذلك العهد، بمثل هذا الشعور الحي، الإحساس الخفي بالصلة التي تبعث في النفس حب الصخور والجداول، والماء والأرض والسماء، والاعتراف بفضلها على بني الإنسان.
بيد أن موضوعاً آخر ينفذ في قلب ثاوقريطوس إلى أعماق أبعد من التي ينفذ إليها الشعر الرعوي- ذلك هو موضوع الحب. ولكنه وهو لا يزال يونانياً رغم بعده عن بلاد اليونان، ينشئ أغنيتين شعريتين (الثانية عشرة والتاسعة والعشرين) في الصداقة الجنسية بين الغلمان، ويقص قصصاً واضحاً جياشاً بالعاطفة قصة هرقل وهيلاس Hylas (الأغنية الثالثة عشرة)، وكيف "قاوم الجبار وحشية الأسد، وأحب شاباً، وعلمه، كما يعلم الأب ابنه، كل ما يستطيع به أن يكون رجلاً طيباً ذائع الصيت؛ ولم يكن يفارق الغلام في مطلع الفجر، أو وقت الظهيرة أو في المساء، ولكنه كان يعمل دائباً على أن يشكله بالصورة التي يحب من صميم قلبه أن يكون عليها، وأن يجعله رفيقه الحقيقي، يماثله في أعمال العظمة". وثمة أنشودة أشهر من الأنشودة السابقة (الأنشودة رقم ١) وهي التي تعيد إلى مسامعنا قصة دفنيس Daphnis لاسنكسورس الراعي الصقلي الذي زمر وغنى زميراً وأغاني بلغ من جمالها أن جعلته الأقاصيص