بنصف نفقات إحدى الحملات الصليبية (٩)، ولعل القديس برنار كان يعني سوجر حين كتب يقول:"لو أنني قلت إني لم أر رئيس دير يركب على رأس موكب من ستين فارساً أو أكثر لكنت من الكاذبين"(١٠). ولكن سوجر كان رئيس وزراء لا بد له أن يحيط نفسه بمظاهر الأبهة والفخامة ليؤثر بذلك في نفوس الشعب! أما في حياته الخاصة فكان يعيش معيشة التقشف والبساطة؛ في خلوة متواضعة مراعياً جميع قواعد طائفته بقدر ما تمكنه من ذلك واجباته العامة. وكان بطرس من المبجل رجلاً صالحاً ولكنه عجز رغم جهوده المتكررة عن أن يحول دون ازدياد الثروة الجماعية في الأديرة التابعة لدير كلوني - وهي التي كانت من قبل تتزعم حركة الإصلاح - إلى حد أمكن الرهبان من أن يعيشوا عيشة البطالة الموهنة للقوى وإن كانوا أفراداً لا يملكون شيئاً.
إن الأخلاق تفسد كلما زاد الثراء، وفطرة الإنسان تظهر كلما أمكنتها موارده من الظهور، وفي كل جماعة كبيرة أيا كان نوعها يوجد أفراد هم أقوى من إيمانهم. ولقد ظلت كثرة الرهبان مستمسكة بالقواعد التي ارتبطت بها وفيه لها، ولكن أقلية منهم أخذت تنظر إلى العالم وإلى شئون الجسم نظرة أكثر ليناً. وكان رئيس الدير في كثير من الأحيان يعينه سيد إقطاعي أو ملك ويختاره من طبقة تعودت الراحة، ولم يكن هؤلاء الرهبان يتقيدون بقيود الأديرة، فكانوا يستمتعون بالصيد، والقنص، وألعاب الفروسية، وينغمسون في السياسة، وسرت عدواهم إلى الرهبان أنفسهم. وها هو ذا جرالدس كمبرنسس Giraldus Cambrensis يصور لنا حياة رئيس دير إفشام Evesham بصورة مروعة فيقول: "لم يكن أحد بمنجاة من فجوره"، وكان، جيرانه يخصون له ثمانية عشر ولداً، وكان لا بد من خلعه آخر الأمر (١١). وأصبح رؤساء الأديرة المنكبون على مباهج الدنيا، السمان، الأغنياء، الأقوياء، هدفاً لسخرية الشعب وتشهير الأدباء، فكان أقسى ما كتب من الهجاء وأبعده عن المعقول وصفاً لرئيس دير