والتاريخ. حين عين لافيوفيل في أحد المناصب قال الرجل متمثلاً بعبارة وردت في الأنجيل «مولاي، لست مستحقاً» أجاب هنري «أعلم ذلك جيداً، ولكن ابن أخي طلب إلي أن أعينك»(٢٧). وذات يوم اعترضه صاحب حاجة وهو في طريقه إلى الغداء وبدأ يقول في لغة طنانة «مولاي الملك، أن أجبيسيلا، ملك لاكيديمون-» وقال هنري وهو يثن «ويحك! لقد بلغني نبوءه، ولكنه كان قد تغدى، أما أنا فلم أفعل»(٢٨). يقول مؤرخ فرنسي «لقد كان أذكى ملك أنجبته فرنسا».
ثم كان أحبهم إلى الناس. لم يكن بعد أكثرهم شعبية، لأن نصف فرنسا مازال يقبله على مضض، ولكن الذين عرفوه معرفة حميمة كانوا لا يترددون في أن يساقوا إلى الموت حرقاً من أجله، وبعضهم يفعل وهو آخذ كل شئ في اعتباره، فهو أقرب الحكام مثال، لا إدعاء فيه ولا غرور، يرسل نفسه على سجيتها، طيب القلب، بطئ الغضب، سريع العفو دائماً. شكت حاشيته من كرهه للظهور في أبهة الملوك, وسمح للشعراء وكتاب المسرحيات بالسخرية منه، وإن أعجبه أكثر أن يمثله ماليرب رباً للفضيلة والحسن. وكان يذهب للتفرج على الهزليات التي تهجوه، ويوهن من شرتها بضحكه. ولم ينتقم ممن عارضوه بالقول أو الفعل «لو أنني شنقت كل من كتبوا أو وعظوا ضدي لما وجدت في كل غابات مملكتي ما يكفيهم من المشانق (٣٠)». كان له حساسية الشاعر، فهو يحس فقر الشعب برهافة إحساسه بجمال النساء. لم يكن رواقياً، فالتحكم في عواطفه ليس من شيمه؛ كانت له عيوبه الكثيرة، فقد يكون وقحاً دون قصد، أو جلفا في مرح وابتهاج. وكانت تسكنه روح رابليه، فهو يستمتع بالقصص المكشوفة ويرويها بطريقة لا تباري. يسرف في لعب الورق، ويخسر المبالغ الكبيرة، ويغش أحياناً كثيرة، ولكن يرد مكاسبه الحرام دائماً (٣١). وكان يهمل مطاردة عدو متقهقر ليطارد امرأة متقهقرة.