للبلاد عملة جديدة خاصة بها. وجاء بالمال اللازم لهذهِ الأعمال بأن فرض ضريبة قدرها عشرة في المائة على جميع المحصولات الزراعية، ويبدو أنه خفض هذهِ الضريبة فيما بعد إلى خمسة في المائة. ووضع مشروعاً لإقامة مستعمرات في النقط الحربية الهامة على الدردنيل، وعقد معاهدات تجارية مع كثير من الدول. وراجت التجارة في أيامه رواجاً عظيماً، وازدادت الثروة، ولم تكن زيادتها بين عدد قليل من الناس بل شملت الأهلين بوجه عام؛ فقد أصبح الفقراء أقل فقراً؛ ولم يعد الأغنياء أقل غنى؛ عما كانوا؛ وامتنع تركيز الثروة الذي كاد يقذف بالمدينة في أتون الحرب الأهلية؛ وانتشر الرخاء وسنحت له الفرص فوضعت بذلك الأسس الاقتصادية للدمقراطية الأثينية.
وتبدلت أحوال أثينة جسماً وعقلاً في أيام بيسستراتس وولده فقد كانت إلى ما قبل أيامهما بلدة في المرتبة الثانية بين بلاد العالم اليوناني، تسبقها ميليتس وإفسوس، ومتليني، وسرقوسة، في الثروة والثقافة، والحيوية والنتاج العقلي. أما في أيامهما فقد قامت فيها أبنية من الحجر والرخام شاهدة
بما كانت فيه وقتئذ من بهجة ونعيم، وزين معبد أثينة القديم القائم على الأكروبول بأن ضم إليه
رواق دوري الطراز، وبُدئ العمل في هيكل زيوس الأولمبي الذي تزين أعمدته الكورنثية الفخمة، حتى وهي محطمة، الطريق الممتد بين أثينة ومرفئها. وأقام الألعاب الأثينية الجامعة، وخلع عليها الصبغة اليونانية العامة، فأولى المدينة بذلك شرفاً عظيماً، فضلاً عما بعثه فيها من النشاط رؤيتها وجوهاً أجنبية، ومباريات وأساليب غير أساليبها، وفي أيامه أصبح عيد أثينة الجامع عيداً قومياً عاماً للشعب اليوناني كله، ولا يزال موكبه العظيم يتحرك أمامنا على إفريز البارثنون. وقد أقبل على بلاطهِ، بفضل منشآته العامة وحياته الخاصة، المثالون، والمهندسون، والشعراء، وجمع في قصرهِ مكتبة من أولى المكتبات التي أنشئت في بلاد اليونان. وقد عين لجنة أعطت للإلياذة والأوديسة الصورتين اللتين