للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم هبياس الهادئ حتى يصل إلى خاتمته السلمية الطبيعية. وكان أرستوجيتون Aristogeiton وهو رجل كهل قد كسب حب الفتى هرمديوس Harmodius وهو وقتئذ "في ريعان الشباب ونضارته" كما يقول توكيديدس، ولكن هباركس، وهو أيضاً ممن لا يستحون أن يحبوا الغلمان، كان يسعى هو الآخر ليتحبب إلى هذا الشاب؛ فلما سمع أرستوجيتون بهذا اعتزم أن يقتل هباركس ويعمل في الوقت ذاته على حماية نفسه بقلب الحكومة الاستبدادية، وانضم إليه في هذه المؤامرة هرموديوس وغيره من الأثينيين واغتالوا هباركس وهو يعد العدة لموكب الألعاب الأثينية الجامعة؛ ولكن هبياس أفلت منهم ودبر قتلهم. ومما زاد الأمور تعقيداً أن ليينا Leaena عشيقة هرمديوس ماتت ميتة الشجعان أثناء تعذيبهم إياها، لأنها أبت أن تغدر بالباقين من المتآمرين؛ وإذا كان لنا أن نصدق الرواية اليونانية فإنها قطعت طرف لسانها وبصقته في وجه معذبيها لتؤكد لهم أنها لن تجيب عن أسئلتهم.

وارتاع هبياس لهذهِ الثورة، وإن كان الأهلون لم يؤيدوها تأييداً ظاهراً، ودفعه هذا الروع إلى أن يستبدل بحكمهِ الرحيم حكماً طابعه القمع، والتجسس والإرهاب. وكان في مقدور الأثينيين، بعد أن نعموا بالرخاء جيلاً كاملاً، أن يطلبوا الآن ترف الحرية، وزادت صرخة المطالبة بها دوياً كلما زاد الطغيان قسوة؛ واستحال هرمديوس وأرستجيتون في حيال الشعب شهيدين من شهداء الحرية بعد أن لم يكونا إلا متآمرين يحيكان مؤامرة مبعثها الحب والهيام لا الدمقراطية (١).

ورأى الألكميونيون في دلفي الذين نفاهم بيسستراتس من البلاد الفرصة سانحة لهم، فجمعوا جيشاً، وزحفوا به على أثينة،


(١) ليس من حق الإنسان أن يعجب من أنهما يمثلان طبقة الأشراف الغاصبة، كما كان بروتس وكاسيس يمثلان هذه الطبقة في رومة. وقد صار بروتس أيضاً بطل ثورة، بعد أن طمس تاريخه مدى ثمانية عشر قرناً.