كان يختار مجلس العشرة القوي النفوذ. وكان جيش من الجواسيس ينتقل في صمت بين المواطنين ويبلغ القضاة بأي تصرف أو كلام مريب يصدر من أي بندقي-حتى من الدوج نفسه. وكان الأدواج الآن عادة حكاماً صوريين وظيفتهم استقطاب الوطنية وتزيين الدبلوماسية.
وكان الاقتصاد يخوض معركة خاسرة ضد المنافسة الأجنبية ورسوم الاستيراد وقيود النقابات الحرفية. ولم تتوسع صناعة البندقية لتبلغ مرحلة المشروعات الحرة والتجارة الحرة والإدارة الرأسمالية، بل قنعت بشهرة حرفها. ولم يبق في صناعة الصوف التي كانت تشغل ألفاً وخمسمائة عامل في عام ١٧٠٠ غير ستمائة في نهاية القرن، واضمحلت صناعة الحرير في الفترة ذاتها فلم يبق فيها غير ألف واحد بعد أن حفلت باثني عشر ألفاً (٣٤). وقاوم صناع زجاج مورانو كل تغيير في الطرق التي أذاعت في الماضي شهرتهم في طول أوربا وعرضها، وتسربت أسرارهم إلى فلورنسة وفرنسا وبوهيميا وإنجلترا، واستجاب منافسوهم لما طرأ من تقدم على الكيمياء، وللتجارب التي أجريت في الصناعة، وهكذا ولى زمان المورانو. وبالمثل استسلمت صناعة الدنتلا لمنافسيها وراء الألب، فلم يحل عام ١٧٥٠ حتى كان البنادقة أنفسهم يلبسون المخرمات الفرنسية. وازدهرت صناعتان: مصايد الأسماك التي استخدمت ثلاثين ألف رجل، واستيراد العبيد وبيعهم.
ولم يسمح للدين بالتدخل في أرباح التجارة أو لذات الحياة. ونظمت الدولة جميع المسائل المتعلقة بممتلكات الكنيسة وبجرائم رجال الدين. وكان اليسوعيون قد أعيدوا في ١٦٥٧ بعد طردتهم في ١٦٠٦، ولكن بشروط حدت من نفوذهم في التعليم والسياسة. ووجدت تعاليم فولتير وروسو وهلفتيوس وديدرو طريقها إلى صالونات البندقية ولو بطريق الزوار رغم أن الحكومة حظرت استيراد مؤلفات الفلاسفة الفرنسيين، وداعبت الأرستقراطية في البندقية كنظيرتها في فرنسا الأفكار التي استنزفت قوتها (٣٥). وقبل الناس الدين على أنه عادة لا شعورية تقريباً من عادات الشعائر والإيمان، ولكنهم كانوا يلهون أكثر مما يصلون. وقد وصف مثل بندقي أخلاقيات البنادقة