بكل ما في الأبجرام من قصور، "في السباح قداس صغير، وبعد الغداء لعبة قمار صغيرة، وفي المساء امرأة صغيرة"(٣٦). وذهب الشبان إلى الكنيسة لا ليصلوا للعذراء ولكن ليدققوا النظر في النساء. وكان النساء برغم الغضبات الكنسية والحكومية يرتدين "الديكولتيه" الذي يكشف عن نحورهن وظهورهن (٣٧) وكانت الحرب المتصلة بين الدين والجنس تهيئ للجنس أسباب النصر.
وأجازت الحكومة البغاء المنظم إجراءاً واقياً لسلامة الشعب. واشتهرت غواني البندقية بجمالهن، ودماثة طباعهن، وفخامة لباسهن، وبذخ مساكنهن المشرفة على القناة الكبرى. وكان عدد المعروض من هؤلاء الغواني ( Cortigiane) كبير، ولكنه رغم ذلك قصر على الوفاء بالطلب. وكان المقتصدون من البنادقة، والأغراب مثل روسو، يتجمعون معاً اثنين أو ثلاثة لينفقوا على محظية (٣٨). ولكن النساء المتزوجات انغمسن في العلاقات الغرامية الخطرة رغم هذه التسهيلات، ولم يكتفين بمرافقيهن من "السادة الخدام"، واختلف بعضهن إلى الكازينوات التي وفرت فيها كل أسباب اللقاءات الغرامية. ووبخت الحكومة علناً عدة نساء نبيلات لسلوكهن المنحل، وأمرت بعضهن أن يلزمن بيوتهن، ونفت بعضهن خارج البلاد. ولكن الطبقات الوسطى كانت أكثر تعقلاً، وكان تعاقب النسل يشغل الزوجة ويشبع حاجتها لتلقى الحب وبذله. ولم تغدق الأمهات على أطفالهن في أي بلد آخر ما أغدقته في البندقية من عبارات الإعزاز الحارة. ومن عباراتهن المأثورة:(يا سبع القديس مرقص! يا بهجتي! يا زهرة ربيعي!).
أما الجريمة فكانت في البندقية أقل منها في أي بلد آخر في إيطاليا، فقد كبح جماح العدوان كثرة ضباط الشرطة والأمن ويقظتهم. ولكن القوم تقلبوا القمار على أنه عمل من أعمال الإنسان الطبيعية. ونظمت الحكومة يانصيباً في ١٧١٥. وافتتح أول نادٍ للقمار في ١٦٣٨، وسرعان ما كثر عدد هذه الأندية العامة والخاصة التي تهرع إليها جميع الطبقات.