بدا لهم فيه أن الدولة والكنيسة كلتيهما عاجزتان عن حمايتهم فتولوا هم أنفسهم تلك الحماية بأحسن ما يستطيعون، بالسلاح وبالخداع؛ حتى أصبح الخروج على القانون هو السنة المتبعة والشريعة المقررة. وانغمس الحكام الطغاة في الملذات جميعها بعد أن وجدوا أنفسهم فوق القانون يحيون حياة قصيرة ولكنها حياة مثيرة، وحذت حذوهم أقلية الأهلين ذات الثراء.
وإذا شئنا أن نقدر أثر التحلل من الدين في تحلل بني الإنسان الفطري من القيود الخلقية، وجي علينا أن نبدأ بالتفرقة بين تشكك القلة المتعلمة، وتقوى الكثرة التي تعض على تقواها بالنواجذ. إن الاستنارة على الدوام من مزايا الأقليات، والتحرر من صفات الأفراد، لأن العقول لا تتحرر جماعات … فقد يحتج عدد قليل من المتشككة على المخلفات الزائفة، والمعجزات المزورة، وصكوك الغفران التي تعرض تعهدا بالأداء الآجل نظير ثمن عاجل؛ ولكن جمهرة الشعب تقبل هذه كلها في رهبة وخشوع وأمل. وقد حدث في عام ١٦٢ أن ذهب البابا العالم بيوس الثاني وجماعة من الكرادلة إلى ملقى ليستقبلوا رأس الرسول أندرو المحمول من بلاد اليونان، وألقى الكردنال العالم بساريون Bessarion خطبة رهيبة حين وضع الرأس الموهوم الثمين في كنيسة القديس بطرس. وكان الشعب يحج إلى لوريتو وأسيسي، ويهرع إلى روما في سني الأعياد، ويطوف بمواضع الصليب من كنيسة الى كنيسة، ويصعد وأفراده ركع على الدرج المقدسة Seale Sanla التي قيل لهم إنها هي الدرج التي صعد عليها المسيح إلى محكمة بيلاطس. وقد يخسر الأقوياء من هذا له وهم أصحاء، ولكن قلما كان يوجد إيطالي في عصر النهضة لا يطلب القربان المقدس وهو على فراش الموت. فها هو ذا فيتيلتسو فيتيلي Vitelozze Vitelli الزعيم المغامر المستأجر الذي حارب الإسكندر السادس، وسيزارى بورجيا يتوسل إلى رسول أن يذهب إلى روما ليسأل البابا أن يغفر له قبل أن يشد جلاد سيزارى