بأنه قد قطع نفس المسافة من فلورنس إلى روما. وازداد الصديقان جرأة فظلا سائرين، ميلا بعد ميل،، حتى بلغا سينا الت تبعد عن فلورنس ثلاثة وثلاثين ميلا. وهنا آلمت جيان قدماه وعجز عن مواصلة السير من فرط الألم. وكان مع تشيليني من المال ما يكفي لاستئجار حصان، ركبه الشابان "وقطعنا الطريق كله إلى روما ونحن نغني ونضحك. وكنت وقتئذ في التاسعة عشرة من عمري. وكانت هذه هي السنين التي انقضت من ذلك القرن"(٣٦).
ووجد في روما عملا في الصياغة، ودرس الآثار القديمة، وكسب من المال ما يكفي لأن يرسل منه إلى أبيه مبالغ واسعة خففت عنه آلام الفرقة. ولكن الأب الشيخ الواله ألح عليه بالعودة إلحاحا لم يسع بينفينوتو معه إلا أن يعود إلى فلورنس؛ ولم يكد يستقر فيها حتى طعن شابا في أثناء شجار؛ وظن أنه قتل الشاب، ففر مرة أخرى إلى روما (١٥٢١)، وانكب على دراسة صور مكيل أنجيلو في معبد سستيني، وصور رافائيل في بيت آل تشيجي الريفي والفاتيكان، ولاحظ جميع الأشكال والخطوط الطريفة في الرجال والنساء، والمعادن، وأوراق الشجر، وسرعان ما أصبح أبرع الصائغين في روما. وأعجب كلمنت ببراعته في النفخ في الناي، ثم كشف قدرته الممتازة على التصوير. وصنع له تشيليني قطعا من النقود بلغت من الجمال درجة لم يسع البابا معها إلا أن يعينه "رئيس الدمغ في دار السَّك"، أي مصمم النقد للولايات البابوية، وكان لكل كردنال في ذلك الوقت خاتم، قد يصل حجمه في بعض الأحيان "إلى حجم رأس طفل في الثانية عشرة من عمره"، يستعمله في بصم الشمع الذي يختم به رسائله؛ وكانت قيمة بعض هذه الأختام تبلغ مائة كرون (١٢٥٠؟ دولاراً). وأخذ تشيليني يحفر الأختام وقطع النقود، ويقطع الجواهر ويركبها، ويضع نماذج للمدليات، وينقش الأحجار الكريمة، ويصنع مئات التحف من الفضة والذهب،