للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحوار أحاديث سقراط التي كانت تدور في حانته (٧٤). وكانت المحاورات كما أوردها أفلاطون قطعة أدبية لا تاريخية؛ وهو لا يدعي أنه ينقل لنا نصاً دقيقاً للأحاديث التي كانت تجري قبل أن يكتبها بثلاثين عاماً أو خمسين، بل ولا يدعي أنه يحرص على أن يكون ما فيها من إشارات منسقاً غير متناقض بعضه مع بعض. وذهل غورغياس كما ذهل سقراط حين سمعا الألفاظ التي أنطقهما بها الفيلسوف المسرحي (٧٥). وقد كتبت المحاورات مستقلة كل منها عن الأخرى، ولعلها كتبت في فترات متباعدة تباعداً طويلاً، وليس من حقنا أكثر من هذا أن نرتاع لما فيها من آراء متناقضة. وليس ثمة خطة موضوعة للتأليف بينها كلها وجعلها وحدة منسقة، اللهم إلا البحث المتواصل الذي يقوم به عقل ينمو ويتطور تطوراً واضحاً ملموساً عن الحقيقة التي لا يستطيع الحصول عليها أبداً (١).

والمحاورات مركبة بمهارة وإن كانت لا ترقى إلى الدرجة الوسطى. وهي تصور الأفكار تصويراً مسرحياً، وترسم صورة منسقة لسقراط تدل على حب أفلاطون الشديد له؛ ولكنها قلما تدل على وحدة الأفكار أو تسلسلها، وكثيراً ما تنتقل من موضوع إلى موضوع وتسئم القارئ في كثير


(١) ليس في وسعنا أن نحدد تواريخ للمحاورات الست والثلاثين أو أن نصنفها تصنيفاً علمياً لا مطعن فيه. غير أن في وسعنا أن نقسمها تقسيماً منسقاً إلى الأقسام الآتية: (١) مجموعة أولى وأهمها الأبولوجيا، وأقريطون، وليسيز، وأيون، وخرميدس، وأقراطيلوس، وأوطيفرون وأوتيدموس. (٢) ومجموعة وسطى وأهمها غورغياس، وبوتاغوراس، وفيدون، ومعرض الآراء (سمبوزيوم)، وفيدروس، والجمهورية. (٣) ومجموعة متأخرة وأهمها برمنيدس، وتيتياتوس، والسوفسطائي، والسياسي، وفيلابوس، وتيماوس، والقوانين. وأكبر الظن أنه ألف المجموعة الأولى قبل أن يبلغ الرابعة والثلاثين من العمر، والثانية قبل الأربعين، والثالثة بعد الستين، وأنه كان يخصص السنين التي بين كل مجموعة والتي تليها للمجمع العلمي.