أهلها الأمل في الدار الآخرة، نعم إن بعض الناس قد اعتنقوها في تلك الأيام الأخيرة، ولكن معظمهم لم يفعلوا ذلك إلا لما كانوا ينتظرون أن ينالوه من المطامع السياسية أو الذهب الإمبراطوري. كذلك عادت بعض المدن إلى تقديم القرابين الرسمية، ولكنها كانت تؤدى بهذا الثمن ما تناله من العطف عليها والعناية بمصالحها. وقد اضطر يوليان في بسينس Pcssinus نفسها، وهي بيت سيبيل، أن يرشو أهلها لكي يعظموا الأم العظمى. وقام كثير من الوثنيين يفسرون الوثنية بأنها مراعاة الذمة والضمير في انتهاب الملذات؛ وساءهم أن يجدوا يوليان أكثر تزمتاً من المسيح، فقد كان هذا الرجل الحر في التفكير أتقى رجل في الدولة، وكان أصدقاؤه أنفسهم يجدون من أصعب الأشياء عليهم أن يجاروه في ورعه، ومنهم من كانوا متشككة يسخرون سراً من أربابه الذين ولى زمانهم ومن الذبائح التي كان يستعطف بها أولئك الأرباب. ذلك أن عادة التضحية بالحيوان على المذبح كانت قد ماتت أو كادت أن تموت في الشرق، وفي كل ما عدا روما من بلاد الغرب، وشرع الناس ينظرون إليها على أنها عمل يجلل صاحبه العار، أو أنها في القليل طعام يشترك في أكله الناس. وكان يوليان يسمي حركته هذه "الهلينية"، ولكن هذه التسمية قد اشمأزت منها نفوس الوثنيين الطليان، الذين كانوا يحتقرون كل شيء يوناني غير ميت. وكان يفرط في الاعتماد على الجدل الفلسفي الذي لم يصل في يوم من الأيام إلى أن يكون الأساس العاطفي للدين؛ كذلك لم يكن أحد يفهم مؤلفاته إلا الفئة المتعلمة، التي كان تعليمها يحول بينها وبين قبول ما في هذه المؤلفات من الأفكار، ولم تكن عقائده إلا توفيقاً مصطنعاً بين متناقضات، وكانت خالية من الجذور التي تمتد إلى آمال الناس أو خيالهم. ولقد لاحت بوادر إخفاقه حتى قبل وفاته، ولم يستنكف الجيش الذي أحبه وحزن عليه أن يرشح مسيحياً ليخلفه على العرش.