وقع الاضطراب والظلم والشغب نتيجة لهذا المنطق المتهور حاول يوليان أن يرد الأذى عن المسيحيين، ولكنه أبى أن يلغى ما سنه من القوانين. ولقد أظهر قدرته على السخرية التي قلما تليق بفيلسوف مثله، حين ذكَّر بعض المسيحيين الذين وقع عليهم العدوان بأن "كتابهم المقدس يهيب بهم أن يصبروا على الأذى (٥٠) " وعوقب المسيحيون الذين ردوا على هذه القوانين بالعنف أو الإهانات عقاباً صارماً، أما الوثنيون الذين لجأوا إلى الإهانة في معاملتهم للمسيحيين فقد عوملوا باللين (٥١). من ذلك أن العامة من الوثنيين أهل الإسكندرية كانوا يحقدون أشد الحقد على جورج، الأسقف الأريوسي الذي أغتصب كرسي أثناسيوس، لأنه أثار حفيظتهم بموكب عام سخر فيه من الطقوس المثراسية، فقبضوا عليه ومزقوا جسمه إرباً؛ ومع أن المسيحيين، إلا قلة منهم لا تستحق الذكر، لم يهتموا بالدفاع عنه، فقد قتل أو جرح كثيرون من المسيحيين فيما صحب هذه الفتنة من اضطراب (٣٦٢). وأراد يوليان أن يعاقب من أحدثوا الشغب، ولكن مستشاريه أقنعوه بأن يكتفي بإرسال خطاب احتجاج شديد إلى أهل الإسكندرية. وفي هذا الوقت خرج أثناسيوس من مخبئه واستعاد كرسي أسقفيته، ولكن يوليان أنكر عليه هذا العمل قائلاً إنه لم يؤخذ فيه رأيه، وأمر أثناسيوس أن يعتزل منصبه. وصدع الأسقف الشيخ بالأمر، ولكن الإمبراطور توفي في السنة التالية، وعاد البطرق رمز أهل الجليل المنتصرين إلى كرسيه، ولبث فيه إلى أن مات في الثمانين من عمره، بعد عشر سنين من ذلك الوقت، مثقلاً بمظاهر الشرف ومثخناً بالجراح.
وكان اندفاع يوليان ومثابرته الشديدة على تنفيذ منهجه سبباً في إخفاقه آخر الأمر. ذلك أن من أساء إليهم يقاومونه بإصرار ومعاندة، ومن اجتباهم لم يستجيبوا له في حماسة. ومرد هذا أن الوثنية كانت قد ماتت من الناحية الروحية، ولم يبق فيها ما يجدد شبابها، أو يواسيها في أحزانها، أو يبعث في