لكم آرائي في جميع شئونكم، وأن تفعلوا أنتم معي في مقابل هذا نفس العمل فيما يختص بأقوالي وأعمالي، وفي اعتقادي أن ليس ثمة أعظم قيمة من تبادل الرأي على هذا النحو .... (٤٦) ومن واجبنا أن نقتسم مالنا مع الناس جميعاً، وعلى الأخص مع الصالحين، والضعفاء والفقراء. وأصارحكم القول، وإن بدا لكم أن في قولي هذا تناقضاً، إن من الأعمال الدالة على التقي والصلاح أن نقتسم ثيابنا وطعامنا مع الأشرار؛ ذلك أننا حين نعطي إنما نعطي الإنسانية الممثلة في الناس، ولا نعطي خلقه طيبين كانوا أو خبيثين (٤٧).
والحق أن هذا الرجل الوثني كان مسيحياً في كل شيء عدا عقيدته؛ ونحن إذا ما قرأنا ما كتبه، وغضضنا النظر عن أساطيره المجردة من الحياة، خيل إلينا أنه مدين بكثير من تطورات خُلُقه إلى المبادئ الأخلاقية المسيحية التي لُقِّنها في طفولته وشبابه المبكر. فكيف كان مسلكه إذن إزاء الدين الذي ربي في أحضانه؟ لقد ترك للمسيحية كامل حريتها في الوعظ، والعبادة، وممارسة جميع شعائرها، وأعاد الأساقفة المستمسكين بدينهم القديم، والذين نفاهم قنسطنطيوس. لكنه منع عن الكنيسة المسيحية ما كانت تقدمه لها الدولة من إعانات مالية، وحرم على المسيحيين أن يشغلوا كراسي البلاغة، والفلسفة، والأدب في الجامعات، وكانت حجته في ذلك أن هذه الموضوعات لا يمكن أن تجد مدرسين يعطفون عليها إلا من بين الوثنيين (٤٨)؛ ووضع حداً إعفاء رجال الدين المسيحيين من الضرائب وغيرها من الفروض المدنية المرهقة، ولحق القساوسة في أن ينتفعوا من غير أجر بالمزايا والتسهيلات المخولة للموظفين العموميين. كذلك حرم الوصية بالمال للكنائس، كما حرم المناصب الحكومية على المسيحيين (٤٩)، وأمر الجماعات المسيحية في كل بيئة أن يعوضوا الهياكل الوثنية تعويضاً كاملاً عما أنزلوه بها من الأضرار في أثناء حكم الأباطرة السابقين؛ وأجاز هدم الكنائس المسيحية المقامة على الأراضي التي اغتصبت ظلماً وعدواناً من المزارات والأضرحة الوثنية. ولما أن