على منواله، ولهذا فإنا نحس بما يصيبنا من أذى إذا وجدنا عيباً في أخلاقه. لقد بلغ شعوره الديني من القوة حداً جعله يندد أشد التنديد بمن لا يشاركونه في آرائه، ويعفو عن كل الأغلاط إلا عدم الإيمان. وإن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخرى منها؛ ويبدو أنه قبل دون بحث وتمحيص أقسى ما كان يؤمن به معاصروه عن جهنم السرمدية التي يعذب فيها مَن لا يتوبون من الكفار والمذنبين بالنار التي لا تنطفئ أبداً والديدان التي لا تشبع من نهش أجسامهم (٥٠). وهو يقول دون أن يحتج عليه أحد إن رجلاً فقيراً في الجنة لم يُسمَح له بأن يترك نقطة واحدة من الماء تسقط على لسان رجل غني في الجحيم (٥١). وينصحنا بنبل شرف ألا نحكم حتى لا يُحكم علينا، ولكنه يعلن الناس والمُدن التي لم تؤمن برسالته ويلعن شجرة التين التي لم تكن تحمل ثمراً (٥٢). ولعله كان قاسياً بعض القسوة على أمه (٥٣). وكان يتصف بحماسة النبي العبراني المتزمت أكثر من اتصافه بالهدوء الشامل الذي يمتاز به الحكيم اليوناني وكانت عقائده القوية تملأ قلبه؛ كما كان غضبه للحق يطمس من حين إلى حين معالم إنسانيته العميقة؛ ولكن أغلاطه كانت هي الثمن الذي أداه لذلك الأيمان القوي الذي استطاع أن يحرك به العالم. أما فيما عدا هذا فقد كان أحب الناس إلى القلوب. وليست لدينا صورة واحدة له ولم يترك لنا أتباعه وصفاً دقيقاً له، ولكن الذي لا شك فيه أنه كان وسيماً بعض الوسامة، كما كان ذا روح جذّابة، استطاع بفضلهما أن يجمع حوله كثيرات من النساء وكثيرين من الرجال. وفي وسعنا أن نستدل من بعض العبارات المتفرقة (٥٤). على أنه كان يلبس، كما كان يلبس أهل زمانه، عباءة فوق جلباب، وخفين في قدمه، ولعله كان يضع على رأسه غطاء ينزل على كتفيه ليقيه حر الشمس (٥٥). وكانت كثيرات من النساء يجدن عنده شيئاً من العطف والحنان يبعث فيهن إخلاصاً عامراً تفيض به قلوبهن. وليس انفراد يوحنا بذكر المرأة التي ضُبطت وهي تزني