للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حجة على كذبها، فليست هذه القصة مما يفيد يوحنا من الناحية الدينية، وهي فوق هذا مما يتفق كل الاتفاق مع أخلاق المسيح (١). ولا يقل جمالاً عن هذه القصة قصة أخرى ليس في طاقة أتباعه أن يخترعوها، وهي قصة العاهر التي أثَرت في قلبها سرعة قبوله توبة المذنبين، فخرّت راكعة بين يديه، ودهنت قدميه بالطيب الثمين، وغسلتهما بدموعها، وجففتهما بشعر رأسها، وقال عنها عيسى إن خطاياها قد غُفِرت لها "لأنها أحبّت كثيراً" (٥٧). ويروى أن الأمهات كن يأتين إليه بأطفالهن ليمسهم بيديه، وأنه "احتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم" (٥٨).

ولم يكن عيسى من النساك الزاهدين كما كان الأنبياء والإسينيون والمعمدان. ويروى عنه أنه قدم كثيراً من الخمر في حفل للزواج، وأنه كان يعيش مع "العشارين والمذنبين"، وأنه قبل عاهراً تائبة ضمن أتباعه. ولم يكن يأنف من مسرات الحياة الساذجة، وإن كان قد قسا قسوة غير طبيعية على رجل كان يشتهي فتاة. وكان في بعض الأحيان يقبل الدعوة إلى الولائم في بيوت الأغنياء، ويبدو أنه كان في العادة يختلط بالفقراء، وإن كانوا من الامحاريين Amhaarez أشبه الناس بالمنبوذين الذين كان الفريسيون والصدوقيون يحتقرونهم ويتجنبونهم. وكان يدرك أن الأغنياء لن يؤمنوا برسالته، فكان لذلك يبني آماله على ما عساه يحدث من انقلاب يدخل الفقراء الوضيعين الأعلين في ملكوت الله. ولم يكن يشبه قيصر إلا في وقوفه إلى جانب الطبقات السفلى وفي اتصافه بالرحمة. أما فيما عدا هذا فما أكبر الفرق بين الرجلين في أخلاقهما، ونظرتهما إلى الحياة، وما يهتمان به فيها. لقد كان قيصر يرجو أن يصلح الناس بتبديل


(١) يوحنا ٧: ٥٢ وما بعدها. وقد وردت القصة أيضاً في نسخ خطبة قديمة من إنجيل مرقس ولوقا، ولكنها حذفت من نصيهما المتأخرين، وليس سبب حذفها خوف الناشرين من أنها قد تساعد على فساد الأخلاق.