نظمهم وشرائعهم، أما المسيح فكان يرغب في أن يكون تغيير طبائع الناس وسيلة لتبديل النظم والاستغناء عن كثير من الشرائع. وكان قيصر هو الآخر ممن يغضبون أحياناً، ولكن انفعالاته كانت على الدوام تحت سيطرة بصيرته النفاذة، أما عيسى فلم يكن أيضاً غير ذي بصيرة، وكان يجيب عن أسئلة الفريسيين الماكرة بمهارة تكاد تضارع مهارة المحامين. ولكنها لم تكن مهارة خالية من الحكمة، ولم يكن في وسع أحد أن يربكه ولو هدده بالقتل، لكن قواه العقلية لم يكن منشَؤها اتساع عقله أو كثرة معارفه، بل كان مبعثها نفاذ البصيرة، وقوة الشعور، ووحدة الغرض. ولم يكن يدعي العلم بكل شيء، وكثيراً ما كان يفاجأ بالحوادث التي لا ينتظر وقوعها، وكان الذي يحمله على المغالاة في تقدير قواه ومواهبه هو جده وحرصه على الوصول إلى غرضه وتحمسه له، كما حدث في الناصرة وأورشليم، بيد أن قواه كانت غير عادية، ولعل الذي يثبت هذا هو معجزاته.
وأكبر الظن أن معظم هذه المعجزات كانت تحدث في أكثر الأحوال بقوة الإيحاء - أي بتأثير روح قوية واثقة من نفسها، في روح قابلة للتأثر. ولقد كان وجوده في حد ذاته يبعث القوة في مَن حوله، فكانت لمسته المبشرة بالخير تشفي المريض وتقوي الضعيف، وليست رواية أمثال هذه القصص عن غيره من الناس في الخرافات والتاريخ (٥٩) دليلاً على أن معجزات المسيح هي الأخرى خرافات وأساطير، فليس منها إلا عدد قليل لا يصدقه العقل، ويمكن مشاهدة أمثالها في كل يوم تقريباً في لورد Lourdes، وما من شك في أنها كانت تحدث أثناء حياة المسيح في إبدورس Epidaurus وغيرها من مراكز العلاج النفسي في العالم القديم؛ وقد شفى الرسل أنفسهم حالات من هذا النوع. وهناك عاملان يدلان على أن هذه المعجزات ظاهرة نفسية، أولهما أن المسيح نفسه كان يعزو شفاء المرضى على يديه إلى "إيمان" مَن يشفيهم؛ وثانيهما عجزه عن القيام