للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمعجزات في الناصرة، لأن أهلها فيما يظهر كانوا ينظرون إليه على أنه "إبن نجار" ولا يؤمنون بقواه غير العادية؛ ومن ثم كان قولهم إنه "ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته" (٦٠). ويُقال لنا عن مريم المجدلية إن "سبعة شياطين قد أُخرجَت منها، أي أنها كانت تشكو آلاماً ونوبات عصبية، (ويذكرنا هذا باعتقاد البعض أن الشياطين تتقمص أجسام الناس) "؛ والظاهر أن هذه الآلام والنوبات كانت تخف حدتها في حضرة عيسى؛ ومن أجل هذا كانت تحبه لاعتقادها بأنه أعاد إليها الحياة، وأن قربه منها كان أمراً لا غنى عنه لسلامة عقلها. وأما إبنة بايروس فقد قال المسيح عنها في صراحة: إن البنت لم تمت بل كانت نائمة - ولعلها كانت مصابة بالشخوص (١)، ولم يلجأ حين ناداها بأن تستيقظ إلى لهجته الرقيقة المعتادة بل قال بلهجة الآمر القوية: "طليثا قومي" (أي يا صبية قومي) (٦١). ولسنا نقصد بهذا أن نقول إن عيسى كان يرى أن معجزاته ظواهر طبيعية محضة؛ فقد كان يحس أنه لا يأتي بهذه المعجزات إلا بمعونة ما فيه من روح قدسية. ولسنا نعرف أنه كان مخطئاً في اعتقاده هذا، كما أننا لا نستطيع حتى الآن أن ندرك حدود ما في تفكير الإنسان وإرادته من إمكانيات وقوى كامنة. ويبدو أن عيسى نفسه كان يحس بخور نفساني بعد أن يقوم بمعجزاته، وأنه كان يحاولها وهو كاره، وينهي أتباعه عن إذاعتها، ويؤنب مَن يطلب غليه "علامة"، ولقد ساءه أن أكبر الأسباب التي دعت الرسل أنفسهم إلى الإيمان به هو ما أتاه من أفعال "عجيبة".

ويصعب علينا أن نقول إن أولئك الرسل كانوا من طراز الذين يختارون ليبدلوا أقوال العالم. فالأناجيل تظهر ما بين أخلاقهم من اختلاف واقعي، وتكشف عن عيوبهم كشفاً صريحاً، فهم لا يخفون مطامعهم، ولما أراد


(١) ويسمى أيضاً بالتخشب والجمود أو داء الثبوت وهو مرض عصبي يتميز بفقد الإدارة وتصلب العضلات سببه مرض الجهاز العصبي المركزي (شرف).