بالخروج عليها. من ذلك أنه يتطلب إلى الراهبات الكرثوزيات، والسترسيات إن يلتزمن الصمت فلا يتكلمن إلا إذا لم يكن من الكلام بد - وذلك قيد شديد على الجنس اللطيف. وكانت الراهبات في العادة يقمن بجميع ما يحتجنه من أعمال التنظيف، والطبخ، والغسل، والخياطة، ويصنعن الملابس للراهبات، والفقراء، والأغطية التيلية للمذبح، وأثواب القسس، وكن ينسجن السجف، والأقمشة التي تزين بها الجدران، وينقشن عليها بأصابعهن الرقيقة، ونفوسهن الصابرة، نصف تاريخ العالم. وكن ينسجن المخطوطات ويزينها بالرسوم والحروف الكبيرة ويقبلن الأطفال للإقامة في الدير، ويعلمنهم الأدب، وقانون الصحة، والفنون المنزلية، وكانت كثيرات منهن يعملن ممرضات في المستشفيات، وكن يقمن في منتصف الليل لصلين ثم مرة أخرى قبل الفجر، ويتلون الصلوات الأخرى في ساعاتها المحددة. وكانت أيام كثيرة أيام صوم، لا يذقن فيها الطعام حتى تحين وجبة المساء.
وإنا لنأمل أن تكون هذه القواعد الشديدة قد خرقت أحياناً. نحن إذا ما رجعنا بعقولنا إلى القرون التسعة عشر التي عاشتها المسيحية، وإلى من فيها من الأبطال، والملوك، والقديسين، صعب علينا أن نحصي كثيرين من الرجال الذين اقتربوا من الكمال المسيحي كما اقتربت منه الراهبات، وما أكثر الأجيال التي سعدت بفضل حياتهن التي تفيض بالخشوع الهادئ والعمل في ابتهاج لخدمة بني الإنسان. ولو أن آثام التاريخ جميعها وزنت أمام فضائل أولئك النساء لرجحتها هذه الفضائل ولكفرت عن كل ما اقترفه الجنس البشري من ذنوب.