والقمر جسم صلب متوهج، في سطحه سهول وجبال وأخاديد (١٧)، يستمد ضوءه من الشمس، وهو أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض (١٨). "ويُخسف القمر إذا توسطت الأرض بينه وبين الشمس كما تُكسف الشمس إذا توسط القمر بينها وبين الأرض"(١٩). وربما كانت بعض الأجرام السماوية مسكونة عليها خلائق كالأرض، وعليها "يتكون أناس، وتتكون حيوانات أخرى ذات حياة، ويسكن الناس المدن، ويزرعون الأرض كما نزرعها نحن"(٢٠). وقد نشأ من التكثف المتتابع للطبقة الداخلية أو الغازية من طبقتي كوكبنا سحب، وماء، وتراب، وحجارة. وتنشأ الرياح من رقة الجو الناشئة من حرارة الشمس كما "ينشأ الرعد من تصادم السحب والبرقُ من احتكاكها"(٢١). وكمية المادة ثابتة لا تتغير، ولكن الأشكال جميعها تبدأ ثم تزول، وستصبح الجبال في مستقبل الأيام بحاراً (٢٢). وينشأ كل ما في العالم من أشياء وأشكال بتجمع أجزاء متماثلة Homoiomeria وفقاً لنظام يزداد تحديداً على مدى الأيام (٢٣). وقد ولدت جميع الكائنات العضوية في بادئ الأمر من التراب، والرطوبة، والحرارة، وبذلك نشأ بعضها من البعض الآخر (٢٤). وقد تطور الإنسان أكثر مما تطورت سائر الحيوانات لأن قامته المعتدلة أطلقت يديه فاستطاع بهما أن يمسك الأشياء (٢٥).
وأصبح أنكساغوراس بفضل ما حققه من نتائج - وهي وصفه أساس علم الظواهر الجوية، وتفسير الكسوف والخسوف تفسيراً علمياً صحيحاً، ووضع فرض معقول لتكوين الكواكب السيارة، وإدراكه أن القمر يستمد نوره من الشمس، وقوله بتطور الحياة الحيوانية والبشرية - أصبح بفضل هذه النتائج كوبرنيق ذلك العصر ودارونه معاً. ولعل الأثينيين كانوا يعفون عن هذه الآراء لو أن أنكساغوراس لم يهمل تفسير منشأ عقله ومواهبه فيما فسر من حادثات طبيعية وتاريخية، ولعلهم ظنوا أنه