للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لجأ إلى هذا الصمت، كما لجأ يوربديز في إحدى تمثيلياته إلى "آلة إسقاط الآلهة من السماء" لينجو بها من غضب مواطنيه. ويقول عنه أرسطاطاليس إنه كان يبحث عن العلل الطبيعية لكل شيء. من ذلك أنه جيء لبركليز بكبش ذي قرن واحد في وسط جبهته وقال أحد العرافين إنه نذير من نذر الآلهة، فأمر أنكساغوراس بفتح رأس الحيوان وأظهر للحاضرين أن مخه قد نما في مقدم الجبهة بدل أن يملأ جانبي الجمجمة كلها، فنشأ من نموه على هذا النحو قرن الكبش الوحيد (٢٧). وقد أثار أنكساغوراس مشاعر السذج بتفسير سقوط الشهب على أساس القوانين الطبيعية، وأرجع كثيراً من الشخوص الأسطورية إلى تجسيم المجردات العقلية (٢٨).

وصبر عليه الأثينيون وداروه إلى حين، وكل ما فعلوه به أن أطلقوا عليه لفظ Nous (الفكر- العقل (٢٩)). فلما لم يجد كليون Cleon الذي كان يناقش بركليز في تزعم الشعب وسيلةً أخرى يضعف بها خصمه اتهم أنكساغوراس بالإلحاد لأنه وصف الشمس (وكانت لا تزال في نظر الشعب إلهاً من الآلهة) بأنها كتلةً من الحجارة المحترقة، ولم يترك وسيلةً يستعين بها على تأييد دعواه إلا اتبعها. وأدين أنكساغوراس رغم دفاع بركليز المجيد عنه (١). ولم يكن أنكساغوراس راغباً في تعاطي عصير الشوكران السام، ففر إلى لمبسكوس Lampasacus على مضيق الهلسبنت، وأخذ يكسب عيشته بتدريس الفلسفة (٢). ولما ترامى إليه أن الأثينيين حكموا عليه بالإعدام قال: "لقد قضت الطبيعة عليهم وعليَّ بهذا الحكم من زمن بعيد" (٣٣). ومات بعد بضع سنين من ذلك الوقت في الثالثة والسبعين من عمره.


(١) حوالي ٤٣٤. وفي رواية أخرى أن المحاكمة حدثت في عام ٤٥٠.
(٢) وفي رواية أخرى أنه سجن في أثينة، وظل ينتظر أن يسقى كأس السم ولكن بركليز دبر له أمر هروبه.