عمره أرسل إلى مدرسة لاتينية في باويل، وفي الرابعة عشرة دخل كلية في برن يرسها أحد الأهلين من أنصار الكلاسية المبرزين. ودرس من السادسة عشرة إلى الثامنة عشرة في جامعة فيينا، في الفترة التي ازدهرت فيها الدراسات الإنسانية، في عهد كونراد سيلتس. وكان يسري عن نفسه ما يلاقيه من عناء بالعزف على العود والقيثار والكمان والناي والسنطير.
وفي الثامنة عشرة من عمره عاد إلى بازيل، ودرس اللاهوت على يد توماس فيتنباخ، الذي هاجم قبل الأوان عام ١٥٠٨ صكوك الغفران وعزوبة رجال الدين والقداس. وحصل زونجلى على درجة الماجستير، وهو في الثانية والعشرين من عمره، (١٥٠٦) ورُسم قساً، واحتفل بإقامة أول قداس له في فيلدهاوس وسط الأقارب المبتهجين، واشترى بمبلغ مائة جيلدر جمعت له وظيفة راعي أبرشية (٥) في جلاروس على بعد عشرين ميلاً.
وهناك تابع دراساته في الوقت الذي كان يؤدي فيه واجباته بغيرة وحماسة، وتعلم اليونانية ليقرأ العهد الجديد بلغته الأصلية، وقرأ بحماسة مؤلفات هوميروس وبندار وديموكريتوس وبلوتارك وشيشرون وقيصر وليفي وسينيكا وبلني الأصغر وتاسيتوس، وكتب تعليقاً على مؤلف لوسيان الشكاك الفكه، وتبادل الرسائل مع بيكوديلا ميراندولا وأرازموس، ووصف أرازموس بأنه "أعظم فيلسوف وعالم باللاهوت"، وزاره موقراً إياه (١٥١٥)، وكان يقرأ له كل ليلة قبل أن ينام. وقد درج، مثل أرازموس، على أن يسلق بلسان لاذع فساد رجال الدين، وأن يسخر بفطرته من التطرف في العقيدة، وأن يرفض بشدة الرأي القائل بأن قدامى الفلاسفة والشعراء يصلون نار جهنم:"وأقسم أنه يؤثر أن يشاطر سقراط أو سينيكا حظه المقدور ولا يتلقى الأنعام من البابا"(٦). ولم يسمح لعهود الكهنوتية بأن تحرمه من ملذات الجسد، فكانت له علاقات مع نساء مترخصات، وظل منغمساً في ملذاته هذه حتى تزوج في عام ١٥١٤.