الفلاحين، والنبلاء ينظمون شئون الملاك، وكبار حكام الأقاليم يتولون القضاء ويقرون النظام في القرى، ثم هي إلى ذلك بلد يلوذ به بين الحين والحين الشعراء والفلاسفة (٢). إن تجار الكلام ينزعون إلى تصوير الريف بصورة مثالية إذا أعفوا من مضايقات هذا الريف، وملله، وحشراته، وكده وكدحه.
لقد كانت الحياة الريفية في إنجلترا سنة ١٧١٥ شديدة الشبه بما كانته منذ ألف سنة. كل قرية- بل كل بيت تقريباً- وحدة مكتفية بذاتها، تزرع طعامها، وتصنع ثيابها، وتقطع أخشابها للبناء والوقود من الغابات المجاورة. وكل أسرة تخبز خبزها، وتصيد غزلانها، وتملح لحومها، وتصنع زبدها وهلامها وجبنها، وتغزل وتنسج وتخيط وتدبغ الجلد وترقع الأحذية، وتصنع أكثر آنيتها وأدواتها وآلاتها. وهكذا وجد الأب والأم والأبناء والتعبير عن ذواتهم لا في حقول الصيف فحسب، بل في أمسيات الشتاء الطويلة أيضاً، وكان البيت مركزاً للصناعة والزراعة على السواء. فالزوجة هي الخبير المكرم بفنون كثيرة، من تمريض الزوج وتربية نحو اثني عشر طفلاً، إلى حياكة الفساتين وصنع الجعة. وهي تحفظ وتصرف الأدوية المنزلية، وتعني بالحديقة والخنازير والطيور. والزواج هو اتحاد بين رفيقين متعاونين والأسرة كائن حي اقتصادي كما أنها كائن حي اجتماعي، وبهذا توافر لها مبرر قوي وأساس مكين لوحدتها وتكاثرها واستمرارها.
ولو قد ترك الفلاحون أحراراً في الإبقاء على أساليبهم القديمة في الحقول لقنعوا بما في بيوتهم من حيوية منوعة. لقد تذكروا أياماً كان مالك الأرض فيها يسمح لهم، أو لأسلافهم، بأن يطلقوا قطعانهم لترعى في حقول المنطقة المشاعة، وبأن يصطادوا السمك كما يشاءون في غدرانها، وأن يقطعوا الخشب في غاباتها، أما الآن، واثر عملية بدئ بها في القرن السادس عشر، فقد سور الملاك معظم الأراضي المشاعة، ووجد الفلاحون عنها في العيش على قدر دخولهم. صحيح أنه لم يكن هناك أثر لرق الأرض، ولا لضرائب إقطاع رسمية، ولكن الملاك المغامرين وتجار المدن الذين استثمروا مالهم في الأرض كانوا يزرعون على نطاق أوسع، برأسمال أكبر، وبأدوات أفضل، ومهارة