للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسباب الترف، وقد عمر حتى بلغ سن التسعين. وأراد في مناسبات عدة أن ينزل عن سلطته، ولكن الشعب توسل إليهِ أن يحتفظ بها (٥٣). وقد هدته حكمته إلى أن يعقد حلفاً مع رومة، وبذلك حمى البلاد من غزو القرطاجيين نحو نصف قرن من الزمان، واستمتعت المدينة في أيامه بالسلم والنظام وبقسط كبير من الحرية، وأقام منشآت عامة عظيمة، وترك عند موتهِ خزائنها عامرة بالمال دون أن يُرهق الأهلين بالضرائب. وبفضل حمايتهِ أو مناصرته رفع أركميديز العلم القديم إلى أعلى ذروتهِ، وتغنى ثوفريطوس، باللغة اليونانية الفصيحة في أواخر أيامها، بجمال صقلية وبعطايا مليكها المرتقبة. وأضحت سرقوسة وقتئذ أكثر بلاد هلاس سكاناً وأعظمها رخاء (٥٤).

وكان هيرون يسلي نفسه وقت فراغه بمراقبة صناعه وهم يعملون بإشراف أركميديز في بناء سفينة لنزهتهِ، تتمثل فيها جميع فنون بناء السفن وجميع العلوم التي عرفها الأقدمون وكان طولها يبلغ نصف استديوم (٤٠٧ قدم)، ولها سطح واسع للألعاب الرياضية، ومدرسة للتدريب الرياضي، وحمام من الرخام، وحديقة مظللة، جمع فيها كثيراً من أنواع النباتات المختلفة. وكان فيها ستمائة من الفلاحين يدفعونها بعشرين مجموعة من الجاديف، وكان في مقدورها أن تحمل فوق هذا العدد ستمائة من البحارة أو المسافرين. وكانت تحتوي على ستين مقصورة، صنعت أرض بعضها من الفسيفساء، وأبوابها من العاج والأخشاب الثمينة. وكان أثاثها فخماً ظريفاً، وزينت جدرانها وسقفها بالرسوم الجميلة والتماثيل، وكان يحميها من الهجوم دروع وأبراج؛ وكانت تمتد من أبراجها الثمانية كتل ضخمة من الخشب بكل منها ثقب في نهايتها تسقط من الحجارة على السفن المعادية. وأنشأ أركميدز بطول هذه السفينة منجنيقاً عظيماً يستطيع قذف حجارة زنة الواحد منها ثلاث وزنات (١٧٤ رطلاً) أو سهام طول الواحد منها ثمان عشرة قدماً. وكانت هذه السفينة تتسع لحمل ٣٩٠٠ طن