كتاب قصة الحضارة

الدعوة إلى العقل - ١ - الخرافة - ج: 28 - ص: 244

بين البريطانيين في عهد إليزابث وأوائل عهد آل ستيوارت. ففي ١٥٥٧ نشر الملك جيمس السادس كتاباً يعتبر مرجعاً "الإيمان بالشياطين" وهو من المروعات في الأدب. وفيه ينسب إلى السحرة القدرة على ارتياد البيوت، وغرس الحب والبغض في قلوب الرجال والنساء بعض لبعض، ونقل المرض من شخص إلى آخر، والقتل بإحراق تمثال أو دمية من الشمع، وإثارة العواطف المدمرة. وبرر عقوبة الإعدام للسحرة والمشعوذين-بل حتى لزبائنهم (٢). وعندما كادت زوبعة تودي بحياته في طريق عودته من الدنمرك مع عروسه، أمر بتعذيب أربعة اشتبه فيهم حتى اعترفوا كانوا قد تآمروا على القضاء عليه بوسائل سحرية. وأحرق واحد منهم حتى الموت، وهو جون فين، بعد أن عذب تعذيباً وحشياً (٣).

واتفقت الكنيسة الوطنية الإسكتلندية مع الملك في هذا الشأن. وهدد القضاة المدنيون الذين يتساهلون مع السحرة بالحرمان من الكنيسة (٤). وفيما بين عامي ١٥٦٠ - ١٦٠٠ أحرق نحو ثمانية آلاف من النسوة باعتبارهن ساحرات في إسكتلندة التي لم يكن عدد سكانها يبلغ المليون (٥). وكاد الاعتقاد في السحر في إنجلترا أن يكون عاماً شاملاً، وشارك في هذا الاعتقاد أطباء علماء مثل وليم هارفي وسير توماس براون. ونصت إليزابث العنيدة في القوانين التي سنتها ١٥٦٢ على أن الاشتغال بالسحر جريمة عقوبتها الإعدام. وأعدم من أجلها إحدى وثمانون امرأة في عهدها (٦). وخفف جيمس السادس من تزمته بعد أن أصبح جيمس الأول ملك إنجلترا، وأصر على محاكمة المتهمين بالسحر محاكمة عادلة، وفضح الاعترافات والاتهامات الباطلة وأنقذ حياة خمس من النسوة اتهمهن صبي مخبول (٧). وكادت المطاردة أن تنقط بعد اعتلاء شارل العرش، ولكنها استؤنفت، وبلغت أقصاها أيام حكم البرلمان الطويل، حيث أعدم في عامين اثنين (١٦٤٥ - ١٦٤٧) مائتان من السحرة (٨).

وفي وسط هذه الموجة العاتية من الضراوة والعنف ارتفع صوت واحد يناشد العقل ويتحكم إليه، هو ريجنالد سكوت، وهو إنجليزي على الرغم من اسمه، وقد نشر في لندن ١٥٨٤ "الكشف عن السحرة". ولم يسبقه إلا جوهان فير في كتابه