المتتالية. لقد كانت شيئاً يعزف، كما كانت الكنتاتا شيئاً ينشد. وأصبحت الصوناتا في القرن الثامن عشر سلسلة من ثلاث حركات-سريعة (الليجرو أو بريستو)، وبطيئة (أندانتي أو أداجو) وسريعة (بريستو أو الليجرو) ويدس فيها أحياناً سكيرتسو (دعابة) تذكر السامع برقصة الجيجة المرحة، أو مونيتة رشيقة تذكره بموسيقى الرقص. وما وافى عام ١٧٥٠ حتى كانت الصوناتا، على الأقل في حركتها الأولى، قد طورت "شكل الصوناتا"-وهو عرض موضوعات متعارضة وأطالتها بالتنويع، ثم تلخيصا عند الختام. وبعد تجارب ج. ب. سامارتيني ورينالدودي كابوا في إيطاليا، ويوهان شتامتس في ألمانيا، تطورت السمفونية بتطبيق شكل الصوناتا على ما كان في الماضي افتتاحية أوبرالية أو مصاحبة سردية. وبهذه الوسائل هيأ الملحن اللذة للعقل والحواس معاً، وأعطى الموسيقى الآلية ميزة فنية جديدة هي البنيان المحدد الذي يقيد ويربط اللحن بنظام ووحدة منطقيين. ذلك أنه إذا انعدم البناء في فن ما-أي العلاقة العضوية بين الأجزاء والكل، أو العلاقة بين البداية والوسط والنهاية-كان ذلك معناه انحطاط هذا الفن.
أما الكونسرتو (من اللفظ اللاتيني Concertare ومعناه يتبارى) فقد طبق على الموسيقى مبدأ الصراع الذي هو روح الدراما. فعارض الأوركسترا بعازف منفرد، وأدخل الاثنين في مناظرة هارمونية. وكان شكله المفضل في إيطاليا الكونسرتو جروسو (الكبير)، حيث التعارض بين أوركسترا صغير من الوتريات، و"وكونسرتينو"(كونسرتو صغير) من عازفين أو ثلاثة. وكان ليفاليدي في إيطاليا وهيندل في إنجلترا، وباخ في ألمانيا، الفضل في صقل شكل الكونسرتو جروسو صقلاً مطرداً، وتحدت موسيقى الآلات تفوق الأغنية.
ومع ذلك، ظل الصوت-خصوصاً في إيطاليا-هو الآلة المحببة التي لا ضريب لها. ففي إيطاليا أتيحت له ميزة لغة عذبة رخيمة، تغلب فيها الصوت اللين على الساكن، وتقليد طويل من الموسيقى الكنسية، وفن بالغ الرقي في فنون التدريب الصوتي. هنا ظهر كبار مغنيات الأوبرا (البريمادونات)