للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفاتنات اللائى يرتقين كل عام سلم الثراء والبدانة، والمغنون الطواشية ذوو الأجسام الريانة الذين كانوا يخرجون من إيطاليا ليأسروا الملوك الملكات. هؤلاء المغنون السوبرانو أك الكونترالتو الذكور جمعوا بين رئات الرجال وحناجرهم، وبين أصوات النساء أو الغلمان. وكانوا بعد أن يطيشوا في سن السابعة أو الثامنة، ويخضعوا لنظام طويل دقيق من التدريب على التنفس والنطق، يتعلمون ترعيشات الصوت وتحلياته وتهديجاته، وتعاقب النغمات السريع ووقفات التقاط النفس-إلى آخر هذه الفنون التي جعلت جماهير السامعين الإيطاليين تهذي طرباً تعبر عنه أحياناً بهتاف هو "ليحيى المسكين الصغير" (١٣). ذلك أن معارضة الكنيسة (لاسيما في روما) في استخدام النساء على خشبة المسرح وسوء تدريب المغنيات في القرن السابع عشر، كانا قد خلقا طلباً لباه هذا السكين الصغير الذي كان يقطع القنوات المنوية للذكر. وبلغ من عظم مكانة المغنين المطوشين إذا حالفهم الحظ أن بعض الآباء كانوا-بعد أن يغروا الصبي الضحية بالرضى بمصيره هذا-يسلمونه لهذه العملية بمجرد أن تبدو منه أول بادرة صوت رخيم. ولكن كثيراً ما كانت الآمال تخيب، فكنت تجد كل مدينة بإيطاليا كما ذكر بيرني نفراً من هؤلاء الفاشلين "لا صوت لهم على الإطلاق" (١٤) وبعد عام ١٧٥٠ اضمحلت بدعة الخصيان هذه، لأن مغنيات الأوبرا تعلمن أن يتفوقن عليهم في نقاء النغمة وينافسنهم في قوة الصوت.

أما أشهر الأسماء في موسيقى القرن الثامن عشر فلم يكن باخ ولا هيندل ولا موتسارت، بل فارينللي-وهذا ليس اسمه الأصلي. والظاهر أن كارلو بروسكي اتخذ اسم خاله الذي كان آنئذ معروفاً في دوائر الموسيقى. وإذ كان كارلو قد ولد في نابلي (١٧٥٠) لأبوين عريقي الأصل، فما كان لمثله عادة يدخل صفوف المطوشين؛ وروى أن حادثاً أصابه وهو راكب جواده اقتضى إجراء العملية التي أثمرت أبدع صوت في التاريخ. ثم درس الغناء على بوريورا، وصحبه إلى روما، وظهر هناك في أوبرا بوريورا المسماة "إيوميني". وفي أحد الألحان نافس عارفاً على الناي في إطالة نغمة وتضخيمها وغطى عليه