في طول النفس، فأتته الدعوات من أكثر من عشرة عواصم. وفي ١٧٢٧ في بولونيا لقي أول هزيمة له؛ ذلك أنه قاسم انطونيو برناكي لحناً، فاعترف له بأنه (ملك المغنين)، وتوسل إليه أن يكون معلمه. ووافق برناكي، وسرعان ما بز التلميذ معلمه. وراح فارينللي يحرز الآن نصراً بعد نصر في البلد تلو البلد-البندقية وفينا وروما ونابلي وفيرارا ولوكا وتورين ولندن وباريس. وكان تفننه الصوتي عجيبة العصر. وكان فن التنفس من أسرار براعته، فقد عرف أكثر من أي مغن آخر كيف يتنفس بعمق وسرعة وهدوء، وكان في استطاعته أن يستمر في غناء بنغمة ما بعد أن تتوقف جميع الآلات الموسيقية. وفي لحن Son Qual nave ( على أي مركب) بدأ النغمة الأولى مخافتاً لا يكاد يسمع، وطها تدريجياً إلى ملء حجمها، ثم هبط بها شيئاً فشيئاً إلى خفوتها الأولى. وكان جمهور السامعين أحيانا، حتى في إنجلترا-ذلك البلد الرصين-يصفق لهذه العجيبة السعيدة تصفيقاً يمتد خمس دقائق (١٥). وقد اكتسب قلوب سامعيه كذلك بحنانه وكياسته ورقته، وكانت هذه الخلال في فطرته كما كانت في صوته. وفي ١٧٣٧ قام بزيارة لأسبانيا خالها قصيرة، ولكن المكث طال به في مدريد أو قربها ربع قرن وسوف نفتش عليه هناك في فصل لاحق.
وبفضل المغنين الطواشية أمثال فارينللي وسينيزينو، وكواكب الغناء من النساء أمثال فاوستينا بوردوني وفرنشسكا كوتسوني، أصبحت الأوبرا صوت إيطاليا، وبهذه المثابة استمع إليها الناس بابتهاج في كل بلد أوربي إلا فرنسا حيث اشتعلت نار الحرب. وكلمة "أوبرا" كانت في الأصل جمع " opus" ومعناها "أعمال" ولكن الجمع أصبح في إيطاليا مفرداً، واحتفظ بمعناه "العمل"، وما نسميه الآن أوبرا كان يسمى Opera Per Musica- عملاً موسيقياً. ولم تتخذ الكلمة معناها الحالي إلا في القرن الثامن عشر. وإذ كانت متأثرة بتقاليد الدراما اليونانية، فقد صممت أصلاً على أنها تمثيلية تصاحبها الموسيقى، ثم ما لبثت الموسيقى أن طغت على التمثيلية في إيطاليا، وطغت الأغاني (الآريا) على الموسيقى. وصممت أوبرات تتيح عروضاً منفردة لكل