يضاف إلى هذا أن الفكر الإيطالي شحذه عدد كبير من الأكاديميات المخصصة للآداب أو العلوم أو الفنون، والمتحررة عادة من إشراف رجال الدين، وأشهرها الأكاديمية الأركادية التي كانت في الفترة التي نحن بصددها تموت موتاً كريماً. وكانت هناك مكتبات عامة مثل "دار الكتب الأمبروزية" الجميلة في ميلان، أ, دار كتب ماجليابكينانا (دار الكتب القومية الآن) في فلورنسة، وكان الكثير من المكتبات الخاصة كمكتبة بيزاني في البندقية، يفتح أبوابه للجمهور في أيام معلومة من الأسبوع. وقد روى دبروس أن مكتبات إيطاليا كان يستخدمها القراء استخداماً يفوق في كثرته وحماسته استخدام القراء لمكتبات فرنسا. وأخيراً كانت هناك دوريات من جميع الأنواع-ثقافية، أو أدبية، أو فكاهية. وكانت مجلة الآداب الإيطالية التي أسسها أبوستولو تسينو وفرانشسكو سكييوتي دي ما في عام ١٧١٠ من أرقى المجلات في أوربا ثقافة وأحظاها بالاحترام.
وصفوة القول أن إيطاليا كانت تنعم بحياة فكرية نشيطة، فكثر عدد الشعراء الذين عاشوا على إهداء شعرهم لكبار القوم، وتعطر الجو بأريج القصائد الغنائية التي ما برحت تقلد بترارك، وتنافس المرتجلون في إفراغ التقريض فور دعوتهم إلى قرضه. ولكن العصر خلا من العشر العظيم حتى أقبل ألفييري في ختام القرن. وقامت المسارح في البندقية وفتشنتا وجنوه وتورين وميلان وفلورنسة وبادوا ونابلي وروما، وأم هذه الأبنية الأنيقة الرشيقة صفوة القوم وعامة الشعب ليتجاذبوا الحديث يسددوا نظرات الغرام. كما أتوها ليستمعوا إلى الأوبرا أو التمثيلية. وكان هناك دارسون كبار مثل مافيي، ومؤرخون شديدو الاجتهاد مثل موراتوري، وعما قليل سيأتي علماء عظام. غير أنها كانت ثقافة متكلفة بعض الشيء، حذرة خشية الرقابة، مهذبة مجاملة إلى حد أفقدها الجرأة.
ومع ذلك هبت عليها رياح متقطعة من الهرطقة عبر الألب أو البحر. فأسس الأجانب-لاسيما الإنجليز من أنصار جيمس الثاني-في جنوه وفلورنسة وروما ونابلي، من ١٧٣٠ فصاعداً محافل ماسونية نزاعة إلى الربوبية. وقد أدانها البابوان كلمنت الثاني عشر وبندكت الرابع عشر، ولكنها اجتذبت