وبارك معبود الثورة الفرنسية المستقبل تلك القيود المفروضة على الديمقراطية في جنيف، حيث لا حق في التصويت إلا لثمانية في المائة من السكان:
"لكي نتقي خدمة المصالح الخاصة والمشروعات الطائشة وجميع البدع الخطرة التي انتهت بالقضاء على الاثنين، ينبغي ألا تطلق الحرية لكل رجل في اقتراح القوانين الجديدة على هواه، بل يقصر هذا الحق على القضاة دون غيرهم … فقدم القوانين هو أهم عامل في إضفاء القدسية والاحترام عليها، والناس سرعان ما يتعلمون الاستهانة بالقوانين التي يرونها تبدل وتغير كل يوم، ولو اعتادت الدول أن تهمل تقاليدها القديمة بحجة التحسين والإصلاح، لجلبت من الشرور ما هو أسوأ مما تحاول أن تقضي عليه (١٠٩) ".
أكان هذا مجرد ذريعة يلتمس بها العودة إلى المواطنة الجنيفية؟
أما وقد تحقق لروسو هذا الهدف فإنه قدم مقاله لأكاديمية ديجون. ولم يمنح الجائزة، ولكن حين نشر المقال في يونيو ١٧٥٥، سره أن يصبح من جديد الحديث المثير لصالونات باريس. ذلك أنه لم يترك مفارقة إلا تناولها ليثير الجدل حولها. فهو لم ينكر عدم المساواة "الطبيعي" أو الإلزامي، ويلم بأن هناك أفراداً هم بحكم مولدهم أصح أو أقوى من غيرهم في البدن أو الخلق أو الذهن. ولكنه زعم أن كل ضروب عدم المساواة الأخرى-الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والخلقية، عير طبيعية، نشأت حين ترك البشر "الحالة الطبيعية"، وأقاموا الملكية الخاصة وأسسوا دولاً تحمي الثروة والامتياز.
"فالإنسان بطبيعته طيب (١١٠) "، وأكثر ما يجعله شريراً تلك النظم الاجتماعية التي تقيد أو تفسد ميوله للسلوك الطبيعي. وقد صور روسو حالة فطرية مثالية كان الناس فيها أقوياء الأطراف، خفاف الأقدام،