حديدي البصر (١)، يعيشون حياة الحركة والعمل، حياة كان الفكر فيها دائماً أداة للعمل وتابعاً له، لا بديل مضعفاً عنه. ثم قارن بين هذه الصحة الفطرية وبين الأمراض المتكاثرة التي تنجم في الحضارة عن الثروة والأعمال التي تتطلب القعود الكثير:
"أن أغلب عللنا من صنعنا، وكان يسيراً علينا أن نتجنبها، كلها تقريباً، بالتزام أسلوب الحياة البسيط، المماثل، المنعزل، الذي قررته الطبيعة. فإذا كانت الطبيعة. قد قضت بأن يكون الإنسان سليماً صحيحاً، فأنني أجرؤ على الزعم بأن حالة التفكير والتأمل حالة تناقض الطبيعة، وأن ( I'homme Qui M (dite est un aminal d (rar (.) .
وحين نفكر في بنية المتوحشين القوية-على الأقل أولئك الذين لم ندمرهم بمشروباتنا الروحية-وفي أنهم لا يكادون يعانون من أي علل غير الجروح والشيخوخة، يغرينا هذا بالاعتقاد بأننا تتبعنا لتاريخ المجتمع المدني؛ إنما نحن نروي تاريخ أمراض البشر (١١٢)".
ويسلم روسو بأن هذه الحالة المثالية "الحالة الطبيعية .. .. ربما لم توجد قط؛ وأغلب الظن أنها لن توجد أبداً (١١٣)". فهو لا يعرضها بوصفها حقيقة واقعة من حقائق التاريخ بل مقياساً للمقارنة. وهذا ما عناه بهذا الاقتراح المفزع "فلنبدأ إذن بتنحية الحقائق جانباً لأنها لا تمس السؤال. والتحقيقات التي يصح أن نخوض فيها .... يجب ألا تعالج على أنها حقائق تاريخية، بل حجج مشروطة وفرضية (١١٤)": على أننا قد نكون فكرن عن حياة الإنسان قبل قيام النظام الاجتماعي، بملاحظة حال الدول الحديثة السلوك، لأن "الدول اليوم ما زالت في حالة طبيعية (١١٥) ". فكل منها ذات سيادة فردية، لا تعرف فعلاً أي قانون إلا قوانين المكر والقوة، ويجوز أن نفرض أن الإنسان الذي سبق تكوين المجتمعات كان يحيا في حالة مشابهة من السيادة الفردية، وعدم الأمان، والفوضى
(١) "ما لست أياه، فإنه عندي الله والفضيلة" نيتشه (١١١) الإنسان الذي يتأمل هو حيوان فاسد.