للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالفخامة المسرحية، ولم يلبث الشعر من بعده أن تخطى حدوده التقليدية وجمع في المسرحيات الديونيشية بين الدين، والموسيقى، والرقص لكي يصبح أداة أعظم من الأدوات السابقة للتعبير عن فخامة العصر الذهبي وعواطفه الجياشة.

وكان بندار يعود بأصله إلى أسرة طيبية تعود بأصلها إلى أبعد العصور البدائية، وتدعى أنها تضم الكثيرين من الأبطال القدامى الذين خلد ذكرهم في شعره. وقد أورثه عمه، وهو موسيقي يجيد النفخ في الناي، كثيراً من حب الموسيقى، وشيئاً من براعته فيها، وأرسله أبوه إلى أثينة ليستزيد من هذا الفن، وفيها علمه لاسوس Lasus، وأجثكليز Agathocles تآليفه الغنائية الجماعية. ثم عاد إلى طيبة قبل أن يتم العقد الثاني من عمره أي قبل عام ٥٠٢ ق. م، وأخذ يدرس مع الشاعرة كورنا Corinna. وقد تبارى معها خمس مرات في الغناء أمام الجماهير وتغلبت عليه في المرات الخمس، ولكن كورنا كانت جميلة تسر الناظرين، والمحكمين كانوا رجالاً (١). وكان بندار يسميها خنزيرة، ويسمي سمنيدس غراباً، ويسمي نفسه نسراً. لكن شهرته رغم عيبه هذا قد ازدادت إلى حد جعل أبناء بلده يخترعون قصة يقولون فيها إنه بينما كان الشاعر نائماً في الحقل يوماً إذ حطت بضع نحلات على شفتيه وخلفت عليهما شهدها (٢). ولم يلبث أن كلف بإنشاء قصائد، يكافأ عليها بسخاء، في مدح الأمراء والأثرياء، واستضافته الأسر النبيلة في رودس، وتندوس، وكورنثة، وأثينة، وأقام وقتاً ما في بلاط الإسكندر الأول المقدوني، وتيرون الأكرغاسي، وهيرون الأول ملك سرقوصة، وكان فيها كلها شاعر هؤلاء الملوك. وكان عادة يؤجر على أغانيه مقدماً، كما لو أن مدينة في أيامنا هذه قد كلفت مؤلفاً موسيقياً أن يكرمها بتأليف قطعة غنائية تنشدها إحدى الفرق ويرقص على أنغامها الراقصون، ويتولى هو تنظيم الغناء والرقص. ولما أن عاد بندار إلى طيبة حوالي السنة الرابعة والأربعين من عمره، حيته المدينة وعدته أعظم هدية أهدتها بؤوتية إلى بلاد اليونان.