وأخذ يعمل بجد في تلحين كل قصيدة من قصائده، وكثيراً ما كان يدرب المغنين على غنائها. وكتب ترانيم وأناشيد نصر للآلهة، وأغاني خمرية تغنى في أعياد ديونيشس، وأناشيد للعذارى تغنيها الفتيات، ومديحاً للمشهورين من العظماء، وأغاني للموائد، ومراثي للجنائز، وأغاني للنصر ينشدها الفائزون في المباريات الأثينية الجامعة. ولم يبق من هذه كلها إلا خمس وأربعون أغنية سميت باسم الألعاب التي تتغنى بمديح أبطالها. وليس لدينا من هذه الأغاني الخمس والأربعين إلا ألفاظها، أما موسيقاها فلم يبق منها أثر. ونحن إذا شئنا أن نحكم عليها كنا في وضع شبيه بوضع مؤرخ في مستقبل الزمان لديه نصوص مسرحيات فجنر التلحينية وليس لديه شيء من موسيقاها فحكم بأن فجنر هذا شاعر وليس مؤلفاً موسيقياً، ثم قدره مستنداً إلى الألفاظ التي كانت في وقت ما تصاحب ألحانه. أو كان عالماً صينياً لا يعرف شيئاً عن القصص المسيحي يقرأ ذات مساء في ترجمة عرجاء عشر تراتيل من وضع باخ Bach نزعت عنها موسيقاها ومراسمها الدينية. على هذا النحو يكون حكمنا على بندار من آثاره، فنحن إذا قرأنا أغانيه اليوم، أغنية بعد أغنية في سكون حجرة المكتب حكمنا أنه لا يماثلها شعر آخر في عصر اليونان الذهبي في بعث السآمة والكآبة.
وليس في وسعنا أن نشرح تكوين هذه القصائد إلا بتشبيه كل منها بقطعة موسيقية، فلقد كان بندار يرى ما يراه سمنيدس وبكليدس Bacchylides وهو أن القالب الذي تصب فيه أغنية النصر قالب محتوم لا مفر منه شأنه في هذا شأن النغم الموسيقي الذي يوضع لمغن واحد ولآلة موسيقية واحدة في الأغاني الأوربية الحديثة. وكان يبدأ أولاً بإيراد موضوع الأغنية - وهو اسم اللاعب الذي نال الجائزة وقصته، أو اسم الشريف الذي فازت جياده في مباراة جر العربات. ويشيد بندار في العادة "بحكمة الإنسان، وجماله، واتساع شهرته"(٤). فهو في واقع الأمر لم يكن يهتم كثيراً بالموضوع الأصيل