الذي يعرض له، بل كان يتغنى بمدح العدائين والمحاظي والملوك، ولم يكن يتردد في الرضاء بأن يتخذ أي طاغية يهبه المال مسرعاً نصيراً له وقديساً (٥) إذا ما أعانه على ذلك خياله الخصب وشعره المعقد الذي كان موضعاً لزهوه. ولم يكن يستنكف أن يتخذ أي شيء موضوعاً لقصائده سواء كان سباق البغال أو مجد الحضارة اليونانية على اختلاف أنواعها وفي كل مكان انتشرت فيه. وكان وفياً لطيبة، ولم يكن أكثر إلهاماً وتوفيقاً من وحي دلفي حين دافع عن حيادها في الحرب الفارسية، ثم استحى فيما بعد من غلطته هذه، وخرج عن مألوف عادته، وأثنى على زعيمة الدفاع اليوناني ووصفها بأنها "أثينة الذائعة الصيت، الغنية، المتوجة بالبنفسج، الجديرة بأن يتغنى بمدحها الشعراء، حصن هلاس الحصين، والمدينة التي تحميها الآلهة"(٦). ويقال إن الأثينيين وهبوه خمسة آلاف درخمة (٠٠٠ ر ١٠ ريال أمريكي) مكافأة له على القصيدة التي وردت فيها هذه الأبيات (٧)، وتقول روية أخرى أقل جدارة بالثقة من هذه إن طيبة فرضت عليه غرامة جزاء له على ما فيها من تعنيف خفي، وإن أثينة أدت عنه هذه الغرامة (٨).
والجزء الثاني من أغاني بندار يتكون من مختارات من الأساطير اليونانية. وفي هذا أسرف بندار إسرافاً لا يشجع الإنسان على متابعة قراءته. وقد شكا من ذلك كورنا Corinna فقال أنه: "كان يبذر بالزكيبة لا باليد"(٩). وقد كانت للآلهة عنده مكانة عالية، فكان يعظمها ويستمد منها معظم موضوعاته. وكان الشاعر المحبب لكهنة دلفي، وقد حصل منهم في حياته على مزايا كثيرة، ولما مات كرمت روحه بأن دعيت إلى أن تنال نصيبها من باكورة الفاكهة التي تقدم في ضريح أبلو (١٠). وكان آخر من دافع عن الدين القويم، وإنَّ إسكلس على تقواه ليبدو إذا قورن به رجلاً زنديقاً. ولو أن بندار اطلع على قصيدة بروميثيوس المحرر ورأى ما فيها من تجديف في حق الآلهة لروعه هذا أشد الترويع. وهو يسمو أحياناً في فكرته عن زيوس إلى ما يقرب من التوحيد كقوله فيه: