"المسيطر على كل شيء والمطلع على كل شيء"(١١). وهو يؤمن بالطقوس الغامضة الخفية ويرجو كما يرجو أورفيوس أن يكون مقره الجنة. وينادي بأن الروح البشرية من أصل إلهي وأن مآلها إلهي (١٢). وقد وصف يوم الحساب، والجنة، والنار وصفاً يعد من أقدم أوصافها فقال:"وبعد الموت مباشرة تعاقب الروح الخارجة على القانون، وينظر في الخطايا التي ارتكبت في مملكة زيوس واحدٌ يصدر فيها أحكامه الصارمة التي لا تنقص".
"وفي ضياء الشمس الجميل يقيم المتقون لا فرق بين أيامهم ولياليهم في بهجتها وبهائها، ولا يفعلون ما كانوا يفعلونه في الأيام الخالية، يكدحون كدحاً كئوداً في حرث الأرض وإثارتها ليحصلوا على حاجاتهم الباطلة، أو يخوضون بسفنهم عباب البحر، بل يقيمون في نعيم دائم مع الآلهة العظام ويقضون معهم حياة خالية من الأحزان، يستمتعون فيها بسرور جزاء لهم على ما حفظوا من عهود هم على ظهر الأرض. وعلى بعد منهم نرى فريقاً آخر يقاسون ألوان العذاب ويقبعون في دياجير مظلمة لا ينفذ فيها البصر"(١٣).
وكان القسم الثالث والأخير في أغاني بندار يتألف عادة من نصيحة خلقية. وليس من حقنا أن ننتظر منه في هذا القسم فلسفة عميقة؛ وذلك أن بندار لم يكن من أبناء أثينة، وأكبر الظن أنه لم يلق في حياته سوفسطائياً، ولم يقرأ لأحد من السوفسطائيين شيئاً، بل كان يوجه قواه العقلية بأجمعها إلى فنه، فلم تبق لديه قدرة على التفكير المبتكر الأصيل؛ وكان يكتفي بأن يستحث الرياضيين الفائزين، أو الأمراء الحاكمين، على أن يكونوا متواضعين يجلون الآلهة، ويوقرون بني جنسهم، ويحترمون أنفسهم. وكان ما بين الحين والحين يمزج اللوم بالمديح، وبلغ من الجرأة أن حذر هيرن Hieron ذات مرة عاقبة الشره (١٤). ولكنه لم يحاجز نفسه عن أن يقول كلمة طيبة في حق المال أخبث الطيبات كلها وأحبها إلى قلوب الناس. وكان يمقت الثوريين الصقليين، وقد حذرهم من عاقبة أمرهم بألفاظ