لا تكاد تختلف عن ألفاظ كنفوشيوس:"إن من أسهل الأشياء حتى على الضعفاء أن يقوضوا مدينةً من أساسها؛ أما إعادتها إلى مكانها بعد تدميرها فتتطلب جهوداً مضنية وكفاحاً مريراً"(١٥). وكان يحب في أثينة دمقراطيتها المعتدلة بعد سلاميس؛ ولكنه كان يعتقد مخلصاً أن الأرستقراطية أقل أنواع الحكم ضرراً. ذلك بأنه كان يرى أن الكفاية متأصلة في الدم، لا تكتسب بالتعليم، وتنزع إلى الظهور في الأسرة التي ظهرت فيها من قبل. والدم الطيب وحده هو الذي يهيئ الخلق إلى القيام بالأعمال النادرة التي تجعل الحياة كريمة جديرة بأن يحياها الإنسان. "ما أقصر الحياة! أي شيء نكونه وأي شيء لا نكونه؟ الإنسان حلم يحوم حول خيال؛ أما إذا نزل عليه بهاء من قبل أحد الأرباب فإن هالة من المجد تحيط به وتصبح حياته حلوة ممتعة"(١٦).
ولم يكن بندار محبباً إلى الجماهير في أثناء حياته، وسيظل بضعة قرون يستمتع بما يستمتع به من خلود لا حياة فيه أولئك الكتاب الذين يشيد الناس كلهم بذكرهم، ولا يقرأ أحد كتاباتهم. لقد كان يطلب من العالم أن يقف عن الحركة في الوقت الذي كان يتحرك فيه إلى الأمام، ومن أجل هذا خلفه العالم وراءه، حتى ليبدو أكبر سناً من ألكمان وإن كان أصغر من إسكلس. وقد كتب شعراً متقناً محبوكاً، معقداً ملتوياً، لا يقل في هذه الصفات كلها عن نثر تاستوس Tacitus، وكتبه بلهجة له خاصة مصطنعة تعمد أن يجعلها كلغة الأقدمين، وبأوزان متقنة دقيقة إلى درجة لم يعن معها أحد الشعراء بأن يحذو حذوه (١)، ومتنوعة تنوعاً لا نجد معه إلا أغنيتين اثنتين من بين أغانيه الأربع والخمسين ذواتا وزن واحد. وشعره غامض المعنى رغم سذاجة تفكيره، وقد بلغ هذا الغموض حداً يضطر معه النحاة إلى قضاء حياتهم كلها يحاولون حل تراكيبه
(١) ويستثنى من هذا التعميم شاعر عظيم هو دريدن Dryden في قصيدته وليمة الإسكندر Alexander's Feast.