الشبيهة بتراكيب اللغات التيوتونية، ثم لا يجدون بعد هذا العناء إلا عبارات طنانة جوفاء. وإذا كان بعض الطلعة من العلماء لا يزالون يقبلون على قراءة شعره رغم هذه العيوب، ورغم جموده وتمسكه الشديد بالشكليات واصطناعه التشبيهات المنتفخة، وإثقال هذا الشعر بالأساطير المملة، إذا كان بعضهم لا يزالون على قراءته رغم هذا كله فما ذلك إلا لما فيه من قصص واضح تتتابع حوادثه سراعاً، ولإخلاصه في مبادئه الأخلاقية، ولروعة لغته التي ترفع أتفه الموضوعات إلى سماء العظمة، وإن كانت لا تحتفظ بمكانها فيها إلا زمناً قصيراً.
وعاش بندار حتى بلغ الثمانين من العمر، متحصناً في طيبة من اضطراب التفكير الأثيني، وقد تغنى بذلك في شعره فقال:"ما أحب موطن الإنسان إلى قلبه، وما أعز رفاقه، وأقاربه، يعيش بينهم قانعاً راضياً. أما الحمقى فيحبون الأشياء الفانية"(١٧). ويقال إنه قبل أن ينصرم أجله بعشرة أيام (٤٤٢) أرسل إلى مهبط وحي أمون يسأله: "ما أحسن الأشياء للإنسان؟ " فكان جواب الوحي في مصر كجواب الوحي في بلاد اليونان "الموت"(١٨). وأقامت أثينة تمثالاً له أنفقت عليه من الأموال العامة، ونقش أهل رودس أغنيته الأولمبية السابعة - التي يمدح فيها جزيرتهم - بحروف من ذهب على جدار هيكل من هياكل الجزيرة. ولما أن أمر الإسكندر الأكبر بإحراق طيبة الثائرة ودك أبنيتها في عام ٣٣٥، حذر جنوده أن يمسوا بسوء البيت الذي عاش فيه بندار ولقي فيه ربه.