كما كانوا في عهد الملوك الساسانيين، يتمتعون بالحكم الذاتي تحت إشراف الإجزيلارك (رئيس اليهود في المهجر) ومديري المجامع الدينية. واعترف الخلفاء المسلمون بالإجزيلارك في كل من بلاد بابل. وأرمينية، والتركستان، وفارس، واليمن، رئيساً لجميع اليهود فيها؛ ويقول بنيامين التطيلي إن جميع رعايا الخليفة كان يفرض عليهم أن "يقوموا واقفين في حضرة أمير الأسر، وأن يحيوه باحترام"(٣). وكان منصب الإجزيلارك وراثياً في أسرة واحدة ترجع بنسبها إلى داود، وكان سلطانه سياسياً أكثر منه روحياً، وقد أدى ما بذله من الجهود للسيطرة على رجال الدين إلى اضمحلاله ثم إلى سقوطه، وأصبح مديروا المجامع العلمية بعد عام ٧٦٢ هم الذين يختارون الإجزيلارك ويسيطرون عليه.
وكانت الكليات الدينية في سورا Snra وبمبديثا Pumdeditha تخرج الزعماء الدينيين والعقليين لليهود في بلاد الإسلام، وتخرج أمثالهم بدرجة أقل لليهود في البلاد المسيحية. وحدث في عام ٦٥٨ أن أخرج الخليفة مجمع سورا العلمي من اختصاص الإجزيلارك القانوني، فلما حدث هذا اتخذ رئيس المجمع لنفسه لقب جاؤن Gaon (صاحب السعادة) وابتدأ من ذلك الحين نظام الجاؤنية، وعهد الجاؤنيم في الدين والعلم البابليين (٤). ولما ازدادت موارد كلية بميديثا وعظمت منزلتها لقربها من بغداد، اتخذ مديروها أيضاً لأنفسهم لقب جاؤن؛ وكاد اليهود في جميع أنحاء العالم فيما بين القرن السابع إلى القرن الحادي عشر يستفتون الجأنيم في المدينتين فيما يعرض لهم من مسائل التلمود القانونية، ونشأ لليهودية من أجوبتهم على هذه المسائل أدب قانوني جديد.
وحدث في الوقت الذي قامت فيه الجاؤنية انشقاق ديني فرق العالم اليهودي في الشرق وزلزلت له أركانه-أو لعل هذا الانشقاق نفسه هو الذي حتم قيام الجاؤنية في ذلك الوقت. ذلك أنه لما توفي الإجزيلارك سليمان، طالب ابن أخيه عنن بن داود بحقه في أن يخلفه في منصبه، ولكن زعماء سورا وبمبديثا طرحوا