للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مبدأ الوراثة وراءهم ظهرياً ونصبوا حنانياً أخا عنن الأصغر إجزلاركا في مكانه. فما كان من عنن إلا أن طعن في الجاؤنين، وفر إلى فلسطين وأنشأ فيها كنيساً خاصاً به، وطالب اليهود أينما كانوا أن ينبذوا التلمود وألا يطيعوا إلا قوانين أسفار موسى الخمسة. وكان هذا العمل من جانبه عودة إلى الوضع الذي كان عليه الصدوقيون؛ وكان شبيهاً بما ينادي به بعض الشيعة في الإسلام من نبذ "السنة" النبوية واتباع القرآن وحده، وما يطالب به البروتستنت من نبذ التقاليد الكاثوليكية والعودة إلى الأناجيل. على أن عنن لم يكتف بهذا بل أخذ يعيد النظر في أسفار موسى الخمسة ويشرحها شرحاً يعد خطوة جريئة في سبيل الدراسة النقدية لنصوص الكتاب المقدس. واحتج على ما أدخله علماء التلمود من تبديل في الشريعة الموسوية وما يحاولونه في تفسيرهم وشرحهم من توفيق بينها وبين الظروف القائمة في أيامهم، وأصر على اتباع ما جاء في الأسفار الخمسة من أوامر وتنفيذها بنصها، ولهذا سمي أتباعه بالقرائين (١) -أي "المتمسكين بالنصوص" وامتدح عنن عيسى وقال أنه رجل صالح لم يرغب في نبذ شريعة موسى المدونة، بل كل ما كان يطلبه أن ينبذ الناس قوانين الكتبة والفريسيين الشفوية. ويرى عنن أن عيسى لم يكن يرغب في وضع دين جديد، بل كان يرغب في تطهير الدين اليهودي وتدعيمه (٥). وكثر اليهود القراءون في فلسطين، ومصر، وأسبانيا، ثم نقص في القرن لثني عشر، ولم يبق منهم الآن إلا أقلية آخذة في الانقراض في تركيا وجنوبي روسيا؛ وبلاد العرب. ونبذ القراءون في القرن التاسع ما كان ينادي به عنن من تفسير حرفي لنصوص الشريعة، وقالوا إن بعث الأجسام وما جاء في الكتاب المقدس من أوصاف جسمانية لله، يجب أن تؤخذ على سبيل المجاز، ولعلهم في قولهم هذا كانوا متأثرين بآراء المعتزلة المسلمين.


(١) من اللفظ الآرامي قرا أي النص وهذا اللفظ نفسه مشتق من قرأ، ومنه أيضاً القرآن.