المحن الطوال (١١٨). وبفضل هذا التأديب الشاق، وغرس أصول التقاليد اليهودية في صدر اليهودي بعد اقتلاعها، عاد الاستقرار وعادت الوحدة، عن طريق التجوال في أطراف القارات والأحزان خلال القرون الطوال. ولقد كان التلمود على حد قول هيني Heine وطناً منتقلاً لليهود يحملونه معهم أينما ساروا. فحيثما وجد اليهود، حتى وهم جالية واجفة في أرض الغربة، كان في وسعهم أن يضعوا أنفسهم مرة أخرى في عالمهم، وأن يعيشوا مع أنبيائهم وأحبارهم، وذلك بأن يرووا عقولهم وقلوبهم من فيض الشريعة. فلا غرابة والحالة هذه إذا أحبوا هذا الكتاب الذي نراه نحن أكثر تنوعاً واختلافاً مما كتبه مائة كاتب من أمثال منتاني Montaigne. ولم يكفهم الاحتفاظ بالكتاب كله، بل احتفظوا بأجزاء صغيرة منه بحب يصل إلى درجة الجنون، وكانوا يتبادلون قراءة نتف من هذا المخطوط الضخم، وأنفقوا في القرون المتأخرة أموالاً طائلة لطبعه كاملاً، وبكوا حين كانت الملوك والبابوات، والمجالس النيابية تحرم تلاوته، أو تصادره، أو تحرقه؛ وابتهجوا حين رأوا روشلين Reuchlin وإرزامس Erasmus يدافعان عنه، وعدوه في أيامنا هذه أثمن ما تمتلكه معابدهم وبيوتهم، واتخذوه ملجأ وسلوى، وسجناً للروح اليهودية.