ونظمهم بل وراحوا يعمّرون ما سبق لهم تدميره. إننا هنا إزاء حالة انتصرت فيها الحضارة الإسلامية رغم هزيمة المسلمين. القول نفسه ينطبق شيئا ما على الثورة الفرنسية ونابليون، لقد خرجت جيوش نابليون من أوربا لكن بقيت المدوّنة القانونية النابليونية. خرجت جيوش نابليون لكن خرجت معها محاكم التفتيش وتقلصت سلطة الباباوات ولم تعد أبداً كما كانت.
في الفصل الخامس والعشرين يظهر لنا المؤلفان أن حركة تحرير المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في العالم الجديد، بدأت بسبب إنهاك نابليون للدولتين المستعمرتين: إسبانيا والبرتغال، وفي الفصل السادس والعشرين يبين لنا أن الجذور التاريخية لحركة الوحدة الإيطالية بعد ذلك - إنما تعود لجهود نابليون في توحيد إيطاليا تحت سلطانه، وفي الفصل التاسع والعشرين يرى المؤلفان أن تكوين نابليون لكونفدرالية الرّاين، وإثارته حفيظة الشعوب الألمانية كان هو الأساس التاريخي لقيام الوحدة الألمانية بعد ذلك.
والطريف أن المؤلفين يركزان هنا على ما سبق أن ألمحنا إليه في مقدمة المجلد الثالث، وهو أن المسيحية في أوربا أصبحت غطاء للم الشمل أكثر منها عقيدة محكمة، بعد أن تعرض شرق أوربا للاجتياح العثماني. إنه يقول لنا إن معظم رجال الدين البروتستنت في بروسيا كانوا يرون المسيح رجلا محبوبا أو بتعبير آخر مثله كمثل آدم، وإنهم رغم إيمانهم بهذه الحقيقة فإنهم لم يكونوا يصرحون بها (الفصل الثلاثون)، وكان بيتهوفن يقرأ الشعر الفارسي (الفصل ٢٨)، ولم يرد أبداً في أحاديثه أو كتاباته أية إشارة للمسيح كرب (الفصل ٢٨) وإنما تحدث وهو غير بعيد عن الموت عن الواحد القدوس (الفصل ٢٨) وكان يعتبر الارتباط بزوجة رجل آخر زنا، ولم يتسامح أبداً مع زوجة أخيه عندما زنت، وظل يقاضيها لينزع منها حضانة ابن أخيه لأن الزانية لا تصلح لحضانة ابن أخيه ..
وكان المؤلف قد علل في الفصل السادس والعشرين اهتزاز العقيدة المسيحية بتقدم العلم، فكلما ظهرت الحقائق العلمية انهارت الكنيسة أو تقهقر الإيمان المسيحي … وبينما كان بيتهوفن