للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خمسين عاماً (٣٢٩؟ -٣٧٩) البلاغة على ليبانيوس في القسطنطينية، ودرس الفلسفة في أثينا، وزار النساك في مصر وسوريا، ولم يوافق على زهدهم وانطوائهم على أنفسهم، ثم صار أسقفاً لقيصرية كبدوكيا، ونظم شئون المسيحية في بلاده، فأعاد النظر في شعائرها، وأدخل فيها نظام رهبنة الأديرة التي تنتج كل ما يحتاجه المقيمون فيها، ووضع قانوناً للأديرة لا يزال هو المسيطر على جميع أديرة العالم اليوناني الصقلبي. وقد نصح أتباعه بأن يتجنبوا ما يأتيه النساك المصريون من أعمال القسوة المسرحية، وأن يستعيضوا عنها بخدمة الله وخدمة صحتهم وعقولهم بالعمل النافع، وهو يرى أن حرث الأرض من خير أنواع العبادة. ولا يزال الشرق المسيحي حتى الآن يعترف بما له في المسيحية من أثر لا يضارعه أثر أحد غيره.

أما القسطنطينية فلم يكد يبقى فيها أثر للعبادة الوثنية، بيد أن المسيحية نفسها قد تفرقت شيعاً بسبب النزاع الدائم بين أهلها، فقد كانت الأريوسية لا تزال قوية، وكانت بدع دينية خارجة على الدين لا تنقطع عن الظهور، حتى ليكاد يكون لكل رجل فيها آراؤه الخاصة في الدين. وفي ذلك يقول جريجوري النيسي Gregory Nyassa أخو باسيلى: "هذه المدينة ملآى بالصناع والعبيد، وكلها من المتفقهين في الدين الذين يعظون الناس في الشوارع والحوانيت، فإذا طلبت إلى أحد منهم أن يبدل لك قطعة نقود فضية، أخذ يحدثك عن الفوارق بين الأبن والأب، وإذا سألت عن ثمن رغيف … قبيل ذلك إ، الابن أقل منزلة من الأب؛ وإذا سألت هل أعد لك الحمام، كان الجواب أن الأبن قد خُلق من لاشيء" (٤٧). وكان أول دير أنشئ في العاصمة الجديدة هو الذي أنشأه أسحق السوري في أيام ثيودوسيوس الأول وسرعان ما تضاعف