عدد الأديرة فيها حتى إذا وافى عام ٤٠٠ كان الرهبان طائفة ذات قوة وبأس تنشر الرعب في المدينة، وكان لهم شأن صاخب في النزاع القائم بين هذا البطريق وذاك وبين البطريق والإمبراطور.
وتعلم جريجوري نزيانزين مرارة الحقد الطائفي حين قبل دعوة وجهها إليه مسيحيوا القسطنطينية لأن يكون أسقفاً عليهم (٣٧٩). وكان فالنز قد مات تواً، ولكن أتباع أريوس الذين ناصرهم الإمبراطور من قبل، كانوا لا يزالون يتولون معظم المناصب الكنسية ويقيمون صلواتهم في كنيسة أيا صوفيا. ولذلك أضطر جريجوري أن يصنع مذبحه ويأوي أتباعه في بيت صديق له، ولكنه أطلق على كنيسته المتواضعة اسماً يدل على كبير أمله فيها، لقد سماها أناستازيا Anastasia (البعث)، وكان رجلا أوتى من التقوى بقدر ما أوتى من العلم، درس في أثينة مع مواطنه باسلي، ولم يكن أحد افصح منه إلا الرجل الذي جاء بعد خلفه وزاد أتباعه زيادة مطردة حتى كانوا أكثر من المتعبدين في الكنائس الرسمية، وفي عشية عيد الفصح من عام ٣٧٩ هجم جماعة من الأريوسيين على كنيسة الأناستازيا ورجموها بالحجارة، وبعد ثمانية عشر شهراً من هذا الحادث أخذ الأمبراطور ثيودوسيوس بيد جريجوري ورفعه على عرشه الخليق به في كنيسة أياصوفيا وسط مظاهر التكريم والنصر العظيم. ولكن السياسة الكهنوتية لم تلبث أن قضت على هدوءه وأطمئنانه، فقام جماعة من شانئيه الأساقفة يعلنون أن تعينه باطل، وأمروه أن يدافع عن نفسه أمام مجلس ديني، ورأى جريجوري أنه أكبر من أن يدافع عن كرسيه، فاعتزل منصبه (٣٨١)، وعاد إلى فنزيانزوس Nazianzus في كبدوكيا ليقضي فيها الثماني السنين الباقية من حياته بعيداً عن أعين الخلق في عزلة وهدوء.
وخلفه في منصبه رجل خامل غير خالق الذكر، ولما مات دعت الحاشية الإمبراطورية إلى كنيسة أياصوفيا قساً من إنطاكية يعرف في التاريخ باسم